** لَيْسَ عِيدِي.. **
بقلم الشاعرة والكاتبة ** كوثر بلعابي **
هَذا العيدُ .. ليسَ عِيدِي
بَعْد أنْ ذَبُلَتْ ثِمَارٌ و ذَوَى سِحْرُ الوُرُودِ
زَلزَلَ الرُكنَ الرّحيلُ و الغِيابُ ..
ألقت الأيّامُ في مبْرَاتِها حَبَّةَ القَلْبِ العَمِيدِ ..
هَا أنَّنِي صَافَحتُ العِيدَ بَاكِرًا في صَحْوَتِي
و بَحثتُ في الطبَقِ
عَن قِطعَةِ حَلوَى تَسُرّنِي
فما وَجَدتُ غَيْرَ زَفْرةٍ حَرَّى.. و تَنهِيدٍ..
في مَا مَضَى.. كانَ عِيدِي
حِين كنتُ ارقُمُ ثَوْبَ الأمَانِي لِدُميَتِي..
البَسُ بُرْدَ الحَياةِ تحتَ فُستَانِي الجَديدِ..
كَانَ عِيدِي .. بَيْن أفنَانِي و جِذعِي
فِي رُبَى البَيتِ السّعِيدِ ..
كان ضاجًّا.. بِقهقَهاتِ الصَّبَايَا..
بِتَضَاوِيعِ البُخُورِ مِن كَانِونِ جَدّتِي
و هي تُزفّ الدّعَاءَ و التّهَانِي..
تُدَنْدِنُ وَصلةً مِمّا تُحِبُّهُ مِن أغَانِي :
“ريم الفيّالة يا خاوية العبّون..”
و ” يا سعد سعودي يازين الشّهدة على زنودي”
كَان عِيدِي.. و أُمّي بِدَلالِها تَستَعِدُّ لَهُ
تُسدِلُ زُهْرَ السّتَائِرِ و المَفَارِشِ..
تَنقُشُ الكَعكَ نُجومًا و قُلوبًا..
تُضمِّخُ بالحِنّاءِ أكُفّنَا
و بألوانِ الطّلَاءِ أطرَافَ الأصابِعِ..
كانت أمّي أنِيقَةَ الغَنَجِ
في فِتنَةِ الثّوْبِ المُطَرَّزِ ..
في عِبْقِ عِطرِهَا المَخصُوصِ حِينَ تَرُشُّهُ
تحتَ قُرطِهَا الذّهَبِيِّ و علي مَرْمَرِ الجِيدِ ..
كانَ عِيدِي.. و أبي يُنَادِي عَليْنَا فَردًا فَردًا
مِثلَ نِسْرٍ يَتَفَقّدُ أفْرَاخَ عُشَّهِ
يَخْشَى عَلَيهِم هَزّةَ الرِّيحِ الشّدِيدِ ..
كانَتْ خُطَى عَينَيْهِ تَتَعَقّبُ حُسنَنَا نَحْنُ و أمِّي
تَكْشِفُ مَا خَبّأتْهُ مِن حَنَانٍ هَيْبَةُ الرَّجُلِ الشّدِيدِ ..
كَم كان عَذبًا لَحْنُ إسمِي فِي صَوتِ أبِي
كَمْ كانَ يأسِرُنِي الأمَانُ تحتَ جَناحِ بُرنُسِهِ
بَعدَهُ أجْدَبَتْ وُرْقِي .. جَفَّ فَوقَ الجِذعِ عُودِي ..
هَذا العيدُ .. لَيس عِيدِي ..
مُنذُ حَاصَرَنِي اغتِرَابِي .. فَوْقَ أرضِي ..
بَيْنَ مَن كُنتُ اظنُّهُم أهلي و أحبَابِي ..
إنّمَا عِيدُ الذين سَرَقُوا مِنّي سَلامِي و أمَانِي
أطفَأُوا مِصبَاحَ قلْبِي و قد أنَرْتُ دُنَاهُم
و رَفَعتُهُم فَوْقَ عَرْشِ العُمْرِ ثَمْلَى بِهَوَاهُم
كَافَأونِي بِجُحُودٍ.. اخْرَسُوا فِيَّ نَشِيدِي
لَيسَ عِيدِي .. إنّما عِيدُ الذين
بَدّلُوا رَوْنَقَ المَرْجِ و وَجْهِي
بِتَجَاعِيدِ الشُّحُوبِ ..
خَطَفُوا النُّورَ الذي ألقَاهُ اللهُ في صَدْرِ البِلَادِ
قطعوا رَيَّا الرّبيعِ عَن عَرائشِ نبتِنَا
خَنَقُوا ماءً زُلَالًا كانَ يَسٰرِي فِي الوَرِيدِ ..
هذا العيدُ .. لَيسَ عِيدِي..
ربما يُطِلُّ عِيدِي .. ذَاتَ هِلَالٍ سَعِيدِ
رُبّمَا يُقْمِرُ الفَرَحَ المُرَجَّى فِي سَمَائِي
يُلبِسُ بَلدِي الجَرِيحَ ثَوْبَ بُرْءٍ و فَخَارٍ
يَغمِس حَلْوَى بِشَهدٍ لِلصِّغَارِ
يُوقِظُ عَزمَ المَحَارِيث عَسَاهَا
تُقَلّبُ وَجْهَ التُّرَابِ مِنْ جَدِيدٍ ..
رُبَّمَ…………………………………………ا
بقلم الشاعرة والكاتبة ** كوثر بلعابي **
(تونس في 21 أفريل 2023 يوم عيد الفطر)
Discussion about this post