بقلم الدكتورة بهيّة الطشم …
يتداخل الوعي واللاوعي في حياتنا بشكل مستمر ,اذ تبرز سِمات الوعي في الحدس,القدرة على الاختياروالتكيّف مع الواقع,وتجدر الاشارة الى أنّ درجاته نسبية ومتفاوتة تتدرّج من الوعي القليل الى الوعي المتوسط فالكامل وهو الانتباه.
لقد عرّف أبرزالفلاسفة القدماء الانسان بأنّه: “حيوان عاقل,واعٍ” ,بمعنى أّنّه يعلم الحقائق والمبادىء ويميّز الخير من الشر,ذلك أنّ حياة الانسان النفسية برمتها تقوم على ثنائية الوعي واللاوعي.
ولعلّ أول بروز لفكرة الوعي وتسمى أيضاً الشّعور قد ظهرت الى الواجهة الفكرية مع ديكارت (صاحب الكوجيتو) ,(أنا أفكّر اذاً انا موجود).
وفي اطار فلسفة اللاوعي الذي لا نستطيع أن نُلقي الضوء السّاطع على أبرز سِماته الاّ في سِياق علاقته بالوعي ,فقد اعتبر وليام جيمس :” انّ اللاوعي هو أهم أكتشاف حصل في القرن 19.”
ويعود لسيغموند فرويد الفضل في اكتشاف اللاوعي وجعله قاعدة أساسية للتحليل النفسي ,وكان قد أعطاه حيزً مرموقاً كل من لاروشوفوكو ,رورسو,وماركس,نيتشه .
فرويد القائل:” انّ ميولنا الحقيقية غالباً ما تقع خارج وعينا.”,ولا غرابة فقد اكتشف فرويد أن الهيسيتريا هي مرض نفسي ذو علاقة بأفكار لاواعية معتمداً على التنويم المغناطيسي hypnotism.
وتكمن المعادلة الذهبية التي أرساها فرويد في المساعدة على العلاج لأغلب المرضى النفسيين سيّما الذين تنتابهم الحالات الهيستيرية: فحين يصبح اللاوعي وعياً ,يتحرر المريض من مرضه,وهي تهدف الى تحرير وتطهير اللاوعي من الذكريات السيئة التي تشكّل سبباً المرض.
1
ولا غرو في ذلك لأنّ الذكريات الحزينة تحفرعميقاً في أثلام الدماغ البشري ,وهي قابلة للتذكر بسرعة أكثر من الذكريات المُفرحة وتنتاب الشعور وتأسره بشكل كبير ,ما يعني ضرورة جذب الأفكار والتركيز على كل ما هو ايجابي لتحقيق النشاطات الايجابية واقصاء الأفكار السّلبية.
ولمّا كانت الأنا هي الطبقة الوسطى من الشخصية والتي تتعرّض للضغط من الأنا الأعلى والهو,فتكبت أغلب الغرائز والمشاعر في اللاوعي.
ويمكننا القول حِيال الاستراتيجية النفسية لاغراء اللاوعي في تفعيل السلوكيات الايجابية:
– أولاً: تفريغ أغلب سلوكياتنا بطريقة ايجابية ومنع كبتها في اللاوعي كي لا تنفجر فجأة أو تتحقق بطريقة ملتوية وسلوكيات خاطئة .
– ثانياً: بناء علاقة صداقة وطيدة مع أحلام اليقظة ,وضرورة الاصغاء الى النفس ومخاطبتها بطريقة بناءة دون الجَلد أو الافراط في محاسبتها, والقيام بخلوة تأمّل مع النفس يسودها الاسترخاء.
ذلك أنّ التطّرّف في الشيء هو عدوّ الشيء نفسه سيّما في المشاعر والانفعالات,ويتمظهر دور الشخصية العميقة في الاعتدال وتحقيق التوازن الصحي بين المشاعر والسّلوكيات وانسجاماً مع قول سبينوزا (صاحب كتاب اصلاح العقل) :”لا تعش في حياتك أسيراً لأي شيء.”
– ثالثاً: الحِرص على التواجد بشكل شبه دائم في أماكن مفعمة بالطاقة الايجابية,وتشجّع على التفاؤل ( نزهات في الطبيعة, لقاء الأحبّة,ممارسة الهوايات ,الاصغاء الى الموسيقى الراقية والكلاسيكية).
واذا ما حصل وتمّ تعرّض الدماغ لظروف صعبة قد تفوق قدرة تحمله,فيتوجّب علينا ازاء ذلك وحفاظاً على صحتنا النفسية على المدى الأبعد اعادة انعاش القدرة التركيزية للدماغ (مركز الوعي) وتركيزه على الأمور الايجابية وتفعيل المرونة النفسية في التعاطي مع اختلاف المواقف وتغيير الحالة المزاجية الى الأفضل عبر ابتكار وسائل ترفيه كمشاهدة برامج ثقافية على التلفاز ّ أو متابعة نشاطات رياضية.. (الخ)
2
وتتمظهر أهم وأبرز الأمثلة على اغراءات اللاوعي في بعض نماذج السلوكيات مثلاً عندما نشمّ رائحة الطعام اللذيذ,ما يحفّز اللاوعي على تحريض الوعي لتحضير الطعام والاعداد لكيفية تعلّم أنواع مأكولات جديدة دون الاتكال على الغير في تحقيق ذلك أو غيره.
واذا ما أردنا تشجيع الاطفال على التفوّق الدراسي,يتعيّن علينا تقديم الهدايا المحفّزة للاوعي عندهم كالأقلام الملونة والدفاتر المزينة والقصص المصوّرة وتشجيعهم على النجاح المدرسي.
والأمر نفسه ينطبق على الوعي الفردي والجمعي,حيث نتفاعل بالاستجابات السلوكية سلباً أو ايجاباً مع المواقف او المثيرات الخارجية وتخضع استجابتنا لنسبة الوعي في شخصيتنا.
والجدير ذكره أن سلوكياتنا تتأثر بمن وما نحب, و تتمثّل احدى طرق الاغراء للاوعي كي يستجيب سلوكياً بشكل أفضل في استحضار وتذكر دماغنا لمن نحب( كقدوة) او شغف أو ما نحب (ميول ايجابية لموضوعات تخصّنا) حتى يتحرّك الوعي بايعاز من اللاوعي كي يترجم طاقة الأفكارالى أفعال ناجحة.
وختاماً,نستطيع القول بأننا في ذروة الوعي وبفعل الارادة (العقل الثاني عند الانسان)نستطيع أن نختزن كل المشاعر والانفعالات الايجابية في اللاوعي,ونفكر كثيراً بكل ما ومن احب,لأن اغلب الدراسات السيكولوجية قد أثبتت بأن غالبية الأحلام تنبثق من عمق ما نفكر به وكثيراً. (فلنفكّر كثيراً بكل ما نحب).
وما أجمل أن نخاطب أنفسنا أمام المرآة وبثقة صامتة مع بداية كل يوم أوبعد تحقيق أي انجاز:
انا حليفة الذكاء.
انا متربعة على عرش الجمال.
انا سأنجح اليوم وكل يوم………………….
وحتماً سوف يصدّق اللاوعي أو العقل الباطن ذلك وسوف يحرّضنا على تحسين سلوكياتنا مهما بلغ مبلغ التحدّيات.
3
Discussion about this post