قِراءَةٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فِي قَصِيدَةِ (نَيْسَانُ الآخَرِ)
لِلشَّاعِرَةِ التُّونِسِيَّةِ: Saïda Chabbeh
بِقَلَمِي: فَائِزَةُ بِنمَسْعُود
ـــــــــــــــــــــــ
تَصْدِيرٌ
الشِّعْرُ يَنْتَشِرُ فِي كُلِّ وِجْدَانٍ فِي شَهْرِ نَيْسَان،
وَكَمْ أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ فِي وَطَنِي
لِلشِّعْرِ مِهْرَجَانٌ
فِي شَهْرِ الحُبِّ نَيْسَانَ.
ـــــــــــــــــــــــ
النَّصُّ (نَيْسَانُ الآخَرُ) يَحْمِلُ شُحْنَةً وُجْدَانِيَّةً عَالِيَةً، وَيَعْتَمِدُ عَلَى مَزْجِ الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ بِالمَشَاعِرِ الحَنِينِيَّةِ، فِي قَالِبٍ غِنَائِيٍّ شَفِيفٍ يَفِيضُ بِالعَاطِفَةِ وَالرَّمْزِيَّةِ…
ـــــــــــــــــــــــ
العُنْوَانُ: نَيْسَانُ الآخَرُ
العُنْوَانُ يُثِيرُ التَّسَاؤُلَ مِنَ الوَهْلَةِ الأُولَى:
لِمَاذَا (الآخَرُ؟) وَنَيْسَانُ هُوَ نَيْسَانُ، شَهْرٌ مِنْ أَشْهُرِ فَصْلِ الرَّبِيعِ.
هَلْ هُوَ نَيْسَانٌ مُوَازٍ؟ أَمْ هُوَ نَيْسَانُ الذِّكْرَى الَّتِي لَا تَعُودُ؟
وَالعُنْوَانُ مُشَرَّعٌ عَلَى تَعَدُّدِ الِاحْتِمَالَاتِ،
وَالشَّاعِرَةُ لَا تَسْتَحْضِرُ نَيْسَانَ الطَّبِيعِيَّ فَقَطْ،
بَلْ نَيْسَانًا خَاصًّا، لَهُ طُقُوسُهُ، وَلَهُ رُوحُهُ المُنْفَصِلَةُ عَنِ الزَّمَنِ العَامِّ،
عَنِ الفُصُولِ وَعَنِ الكَوْنِ بِأَسْرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــ
البِنْيَةُ الإِيقَاعِيَّةُ وَالنَّفَسُ الشِّعْرِيُّ
النَّصُّ يَعْتَمِدُ عَلَى نَسَقٍ حُرٍّ، تَتَوَالَى فِيهِ الصُّوَرُ وَالمَشَاعِرُ فِي شَكْلِ مَوْجَاتٍ قَصِيرَةٍ مُتَلَاحِقَةٍ…
الإِيقَاعُ الدَّاخِلِيُّ يَعْتَمِدُ عَلَى التَّكْرَارِ اللَّفْظِيِّ (مِثْلَ: نَيْسَانَ / عَنْ / وَ…)
مِمَّا يُعَزِّزُ النَّغْمَةَ التَّأَمُّلِيَّةَ وَيُؤَسِّسُ مُوسِيقَى دَاخِلِيَّةً مُرَافِقَةً لِحَالَةِ الحَنِينِ…
ـــــــــــــــــــــــ
الصُّوَرُ الشِّعْرِيَّةُ وَالمَجَازَاتُ
(مِثْلَ النَّرْجِسِ وَالفُلِّ وَالرَّيْحَانِ / مِثْلَ شَمْسِ اللهِ المُشْرِقَةِ)
اِسْتِخْدَامُ الأَزْهَارِ وَالنُّورِ يُعَكِّسُ بَرَاءَةً وَبَهَاءَ الذِّكْرَى…
نَيْسَانُ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَقْتٍ، بَلْ حَالَةٌ شُعُورِيَّةٌ تَطْفُو عَلَى الوِجْدَانِ
وَتَنْسَاقُ لَهَا الكَلِمَاتُ مُعَبِّرَةً عَنْ فَيْضٍ مِنَ الحَنِينِ.
(كَالنَّوْرَسِ يَمْضِي بَعِيدًا وَيَتْرُكُنِي)
تَشْبِيهُ المَحْبُوبِ بِالنَّوْرَسِ يُوحِي بِالحُرِّيَّةِ وَالرَّحِيلِ،
وَيُجَسِّدُ الفَقْدَ بِمَشْهَدٍ بَصَرِيٍّ دَقِيقٍ.
(عَنْ رَشْفَةِ شَايٍ لَاسِعٍ عَلَى الرَّصِيفِ / وَعِقْدِ يَاسَمِينٍ عَطَّرَ حَوْلَنَا المَكَانَ)
تَفَاصِيلُ حَمِيمِيَّةٌ صَغِيرَةٌ لَكِنَّهَا مَشْحُونَةٌ بِعَاطِفَةٍ كَبِيرَةٍ صَادِقَةٍ وَعَظِيمَةٍ —
اِسْتِخْدَامُ اليَوْمِيِّ وَالمَأْلُوفِ (الشَّاي، الرَّصِيف، عِقْدُ اليَاسَمِين) يُعْطِي الذِّكْرَى مَلْمَسًا وَاقِعِيًّا وَشُحْنَةً حَنِينِيَّةً لِزَمَنٍ نَدِيٍّ عَطِرٍ فِي الرُّوحِ يَتَضَوَّعُ.
(نَغُوصُ مِثْلَهَا وَنَحْنُ جَالِسَانِ)
اِسْتِعَارَةٌ جَمِيلَةٌ لِلْحَالَةِ الوُجْدَانِيَّةِ الغَامِرَةِ،
حَيْثُ يَتَحَوَّلُ التَّأَمُّلُ إِلَى غَوْصٍ حَقِيقِيٍّ فِي الأَعْمَاقِ وَمَنَاطِقِ احْتِوَاءِ الذِّكْرَيَاتِ.
(نَبْتَسِمُ رَغْمَ غُيُومٍ تَشُبُّ فِي السَّمَاءِ / فَيَنْبُتُ بَدَلَ أَشْوَاكِنَا الرُّمَّانُ)
تَشَكُّلُ الأَمَلِ رَغْمَ المِحَنِ؛ صُورَةٌ تُجَسِّدُ قُدْرَةَ الحُبِّ عَلَى التَّحَوُّلِ وَالانْبِعَاثِ وَالخَلْقِ وَالتَّجَدُّدِ…
ـــــــــــــــــــــــ
الثِّيمَاتُ الرَّئِيسَةُ
1 – الذِّكْرَيَاتُ وَالحَنِينُ: النَّصُّ يَعِيشُ فِي لَحْظَةٍ مَاضِيَةٍ، مُشِعَّةٍ وَسَاكِنَةٍ فِي الآْنِ نَفْسِهِ.
2 – الزَّمَنُ الشَّخْصِيُّ مُقَابِلَ الزَّمَنِ الكَوْنِيِّ: ثَمَّةَ خُرُوجٌ عَنِ الزَّمَنِ الوَاقِعِيِّ إِلَى زَمَنٍ خَاصٍّ – زَمَنِ العَاطِفَةِ وَالوِجْدَانِ.
3 – الحُبُّ كَمَلَاذٍ: الحَبِيبُ هُوَ (الأَمْنُ وَالسِّلْمُ وَالأَمَانُ) وَالحَبِيبُ هُنَا لَهُ شُمُولِيَّةٌ (الأَبُ، الأَخُ، الإِبْنُ، الخ…)
فَهُوَ الوَطَنُ الرَّمْزِيُّ فِي ظِلِّ الغِيَابِ الحَقِيقِيِّ لِلأَوْطَانِ…
ـــــــــــــــــــــــ
أَخْتِمُ
(كَانَ ذَلِكَ ذَاتَ فَرَحٍ / وَكُنْتَ لِي الأَمْنَ وَالسِّلْمَ وَالأَمَانَ)
الخَاتِمَةُ تَعُودُ بِالمُتَلَقِّي إِلَى الإِدْرَاكِ: كُلُّ مَا قِيلَ قَدْ كَانَ، لَمْ يَعُدْ مَوْجُودًا.
وَهَذَا الوَعْيُ بِالانْتِهَاءِ يَجْعَلُ النَّصَّ كُلَّهُ مُشْبَعًا بِنَبْرَةِ الفَقْدِ وَالحَنِينِ، رَغْمَ الدِّفْءِ الَّذِي يَكْسُوهُ.
ـــــــــــــــــــــــ
نَصُّ القَصِيدَةِ
نَيْسَانُ الآخَرُ
مِثْلَ نَيْسَانَ
مِثْلَ النَّرْجِسِ وَالفُلِّ وَالرَّيْحَانِ
مِثْلَ شَمْسِ اللهِ المُشْرِقَةِ
تُلَمْلِمُ اللَّيْلَ عَنِ الكُثْبَانِ
هُوَ الرُّوحُ وَالأَنْفَاسُ وَالفِكْرُ
هُوَ النَّبْضُ يُحَرِّكُ الوِجْدَانَ
كَالنَّوْرَسِ يَمْضِي بَعِيدًا وَيَتْرُكُنِي
دُونَ جَدْوَى أُحَاوِلُ النِّسْيَانَ
وَأَعُودُ لِلأَيَّامِ أَسْأَلُهَا عَنْهُ
عَنِ البُعْدِ وَالشَّوْقِ لِلأَوْطَانِ
عَنْ ضَحْكَةٍ، عَنْ دَمْعَةٍ، عَنْ لَحْظَةٍ
عَنْ زَمَنٍ لَا يُشْبِهُ الأَزْمَانَ
عَنْ رَشْفَةِ شَايٍ لَاسِعٍ عَلَى الرَّصِيفِ
وَعِقْدِ يَاسَمِينٍ عَطَّرَ حَوْلَنَا المَكَانَ
وَنَحْنُ خَارِجُ هُمُومِنَا الكَثِيرَةِ
وَخَارِجُ المَكَانِ وَالزَّمَانِ
نُشَاهِدُ المَرَاكِبَ تَغُوصُ فِي المِيَاهِ
نَغُوصُ مِثْلَهَا وَنَحْنُ جَالِسَانِ
نَبْتَسِمُ رَغْمَ غُيُومٍ تَشُبُّ فِي السَّمَاءِ
نَبْتَسِمُ فَيَنْبُتُ بَدَلَ أَشْوَاكِنَا الرُّمَّانُ
وَتَرْقُصُ اليَخُوتُ أَمَامَ نَاظِرَيْنَا
وَتَهْتِفُ لَكَ وَتَهْمِسُ الشَّطْآنُ
كَانَ ذَلِكَ ذَاتَ فَرَحٍ
وَكُنْتَ لِي الأَمْنَ وَالسِّلْمَ وَالأَمَانَ…
ـــــــــــــــــــــــ
فَائِزَةُ بِنمَسْعُود
كِيبِيك / 9 / 4 / 2025







































Discussion about this post