بقلم … آفين حمو
كبسة زر …
ــــــــــــ
كنت أبحث عن شاحن ضائع لا أدري لماذا، فقط شعرت أنّني بحاجة لتلك الأسلاك القديمة، كأنّني أفتّش عن وصلة مفقودة بيني وبين شيء منسيّ.
تعثّرت بكرّاسة قديمة أصابعها ممزّقة أوراقها تشكو من الزّمن، لكنّني فتحتها ووقعتُ على فتاة صغيرة تكتب. كانت تكتب لي قصائد قصيرة، وسطورًا مرتعشة كأنّها كُتبت تحت بطّانيّة في ضوء مصباح خافت. عبارات عن الوحدة، وعن أم ليست بجانبها، وعن حبّ لم يأتِ ابدا. رسمت قلبًا صغيرا مكسورا وسهمًا يخترقه، لكنّها لم تكتب على طرفي السّهم حرفين من أوّل اسمائهم كالعادة إنّما كتبت تحته “لا أحد يفهمني” ضحكت ثمّ بكيت بحرقة بالغة لم يكن أحد يفهمها فعلاً، وأنا ما زلت لا أفهمني إلى الآن .
مرّت السّنوات صرت أكتب أفضل، أو هكذا أقنع نفسي أصبحت أنثر كلماتي في ملاحظات هاتفي كما لو أنّني أحيّك وشاحًا لأيّام باردة لا أعرف متى ستأتي. أجمع القصائد والقصص والاعترافات، لا لأرسلها لأحد، بل لأنّني أريد أن أحتفظ بي كاملة قبل أن تتسرّب منّي فجأة.
لكن، دائمًا ما يأتي السّؤال بصوت بارد: ما الفائدة؟ أي مجد سيأتيني من كلّ هذه الكلمات؟ أي مكسب سوى ثقل إضافي في الذّاكرة الدّاخليّة للهاتف؟
وأقسى من السّؤال ذلك المشهد الّذي يزور خيالي مرارا ماذا لو عثر أحدهم يومًا على هاتفي؟ ماذا لو متُّ؟ (لا قدر الله، طبعًا، رغم أنّني لا أعتقد أنّ الموت يهتمّ بما نعتقد). ماذا لو فتّش أحد أقاربي هاتفي فوجد تلك القصائد الّتي كتبتها على مدى خمس عشرة سنة؟ القصص الّتي خبّأتها كما تخبئ البنت دفتر مذكّراتها تحت السّرير؟ هل سيقرؤها؟ هل سيفهمني؟ أم سيقول في سرّه: “مسكينة… كانت فاضية وما عندها شغل غير تشخبط!”
أحيانًا أتخيّلهم يضحكون
“شو هاد؟ قصيدة عن الوحدة؟ احذفوها فورا قبل ما حدا يقراها وتفضحنا!”
ثم كبسة زرّ واحدة Delete All.
لم تهمّه قصائدي؟ ولم تؤذِه نهاياتي المفتوحة؟ لماذا لم يرَ في كلماتي تلك الرّوح الّتي كنت أحاول إنقاذها؟ هل ملفّاتي تافهة فعلا وذكريات ككراكيب يجب التّخلّص منها؟ الجميل في الكتابة أنّها تمنحك وهم الخلود، والجميل في التكنولوجيا أنّها تمنح غيرك القدرة على إنهاء هذا الوهم في ثانية.
ولأسباب غير مفهومة لا أزال أكتب رغم أنّ النّهاية قد تكون ملفًا اسمه “نصوص” يُحذف لأنّه “يستهلك المساحة”.
لا أعرف كلّ ما أعرفه أنّني أكتب لأنّ الألم يحتاج بابًا يهرب منه، لأنّ الحزن إن لم يُكتب، يصير حجراً في الصّدر.
وأنا لا أحتمل الحجارة أكتب و كمن يترك رسالة في قارورة، ويرميها للبحر، ولا ينتظر أحدًا.
.
بقلم … آفين حمو
سوريا
Discussion about this post