لابوبو… حينمَا يتقنَّعُ الوحشُ بالطّفولَةِ ويخافُ الكبارُ منَ الدُّمى …
بقلم: سلمى صوفاناتي
في زاويَةٍ صغيرَةٍ منَ العالَمِ، ظهرَتْ دميَةٌ.
ليسَتْ دميَةً تقليديَّةً تتوسَّلُ الحنانَ منْ طفلٍ، بلْ كائنٍ يجمَعُ بينَ اللّطافَةِ والغرابَةِ، بينَ الطّفولَةِ والمفارَقَةِ.
تُدعَى “لابوبو”، ولكنَّها لمْ تكنْ مجرَّدَ منتجٍ منَ القماشِ والبلاستيكِ، بلْ أيقونَةً لعصْرٍ باتَتْ فيْه الدُّمى تُرعِبُ الكبارَ، لا الصّدغارَ.
قدْ يبدُو الأمْرُ هزليًّا حينَ نقرَأُ عنْ مسؤولينَ يطالبونَ بحظْرِ دميَةٍ “لحمايَةِ الأطفالِ”، أوْ عنْ شائعاتٍ تدَّعي أنَّها بوابَةٌ لعالَمٍ خفِيٍّ، أوْ أنَّها تسكنُها رموزٌ سحريَّةٌ تُبثُّ فيْ لاوعيِ مَن يحدِّقُ فيْ عينيْها.
ولكنْ، خلْفَ هذا الهلَعِ الشّعبيِّ تكمنُ مفارقَةٌ فلسفيَّةٌ عميقَةٌ:
لماذا نخافُ مِنْ دميَةٍ؟ ولماذا تثيرُ لابوبو كلَّ هذا التّناقضَ؟
هلْ لأنَّنا نسقِطُ عليهَا خوفنَا منْ الدّاخلِ؟ أمْ لأنَّنا لمْ نعدْ نحتملُ الغموضَ فيْ عالَمٍ يسعَى إلى تبسيطِ كلِّ شيءٍ؟
بينَ الجمَالِ والغرابَةِ… منطقَةُ القلَقِ
“لابوبو” ليسَتْ جميلَةً على الطّريقَةِ الكلاسيكيَّةِ.
أسنانٌ حادَّةٌ، ابتسامَةٌ عريضَةٌ، وعيونٌ تلمعُ بدهاءٍ.
ملامِحُ أقرَبُ إلى ما يُسمَّى في الفنونِ بـ”الجمَالِ الوحشيِّ” أو Grotesque Beauty، أيْ ذلكَ الجمَالُ الّذي ينبُتُ فيْ حديقَةِ الغرابَةِ.
وهنا يدخُلُ الذّهْنُ البشرِيُّ في مأزقِ التّصنيْفِ:
هلْ هيْ مرعبَةٌ أمْ محبَّبَةٌ؟ أنضحَكُ منها أمْ نخافُها؟
وفيْ لحظَةِ الحيرَةِ هذهِ، يولدُ القلَقُ.
لقدْ علَّمتنَا الثّقافَةُ الحديثَةُ أنَّ الدّميَةَ يجبُ أنْ تكونَ بريئَةً، مطمئنَّةً، مستسلِمَةً ليدِ الطّفلِ.
أمَّا حينَ تأتي لابوبو لتكسِرَ هذا الإطارَ، فإنَّها تستفِزُّ لاوعيَنا الجمَالِيَّ، وتعيدُ فتحَ سؤالِ “ما هوَ الجميلُ؟”
إسقاطاتُ اللاوعي الجمعِيِّ
فيْ غيابِ المعنَى، يسارِعُ العقْلُ لابتكارِ تفسيْرٍ.
وهكذا، فإنَّ ملامِحَ لابوبو المختلفَةَ، وصناديقَها الغامضَةَ، وطريقَةَ تسويقِها المفاجِئَةَ، كلَّ ذلكَ أصبحَ تربَةً خصبَةً لنمُوِّ الشّائعاتِ:
“دميَةٌ شيطانيَّةٌ”، “تروِّجُ للرّموزِ الخفيَّةِ”، “تشوِّشُ فكرَ الأطفالِ”…
لكنْ ما يُدهِشُ حقًّا، هوَ كيفَ تتحوَّلُ دميَةٌ بلا صوتٍ ولا حركَةٍ إلى مرآةٍ تعكِسُ أشدَّ مخاوفِنا نضجًا:
الخوفُ منَ المجهولِ،
الارتيابُ منَ الفنِّ غيرِ المألوفِ،
العداءُ للرّموزِ الّتي لا نفهمُها.
وهكذا تصبِحُ لابوبو ليستْ كائنًا مخيفًا بذاتِها، بلْ شاهدًا على هشاشَةِ الخيالِ حينَ يصطدِمُ بالمغايرِ.
اليوتيوبرزُ… شهودُ العصرِ أمْ صُنّاعُ الهلَع؟
لمْ يكنْ للابوبو أنْ تثيرَ هذه العاصفةَ من الأسئلةِ لو لمْ تتلقَّ دعمًا غيرَ مباشرٍ من شُهرةِ الإنترنتِ.
لقدْ وجدتْ الدّميةُ طريقها إلى ملايين العيونِ عبرَ مقاطعِ اليوتيوبرز، الّذينَ تحوّلوا – عن قصدٍ أو لا – إلى ناقلي الرّعشةِ وخالقي السّرديّاتِ الرّماديّة.
فقد شاهدنا Jelly يوثّق تجربته مع الدّميةِ في فيديو اتّسم بالمفاجآتِ والدّهشةِ، وLissy Noel تصرخُ من تحرّكٍ “غامضٍ” خلفها، بينما ذهبَ Dark Corners أبعد من ذلكَ، مقترحًا وجودَ “قوى خفيّة” تتلبّس الدّميةَ.
أمّا The Mortals، فقدّموا سلسلةً كاملةً حولَ “لعنة لابوبو”، وParanormal Kat خاضت تحليلاتٍ رمزيّةً تربطُ الدّميةَ بأبعادٍ نفسيّةٍ عميقة.
وهنا تظهرُ المفارقةُ: لمْ يعُدِ الجمهورُ يبحثُ عن صدقِ الواقعةِ، بلْ عن التّوتّرِ “المُراقب”، عن لحظةِ القلقِ المُعلّبِ، في عصرٍ اختلطَ فيه التّرفيهُ بالخوفِ، والرّعبُ بالتّسليةِ.






































