حين يغار القلم من القلم … !
لماذا لا يفرح بعض الأدباء بتفوّق زملائهم ؟
النّاقد الدكتور عبدالكريم الحلو
* لماذا لا يفرح بعض الأدباء بتفوّق زملائهم ؟
سؤال عميق ومؤلم في آنٍ معًا،
* ويعبّر عن ظاهرة شائعة في الأوساط الأدبيّة،
وهي غياب الفرح الحقيقي بنجاح الزّملاء.
* ويمكن تفسير هذا السّلوك من خلال عدّة زوايا نفسيّة واجتماعيّة وأدبيّة :
1. الغيرة الأدبيّة والقلق من التّفوّق :
——————————
* في بعض النّفوس، يتحوّل الأدب من كونه رسالة سامية إلى ميدان منافسة مرَضيّة، فيغدو كلّ تفوّق للآخرين تهديدًا لمكانتهم، لا مناسبة للفرح. وهذا النّوع من الغيرة يُولد ما يُسمى بـ”القلق الأدبي” أو Anxiety of Influence كما أسماه الناّقد “هارولد بلوم”، إذ يشعر الكاتب أنّ نجاح غيره يُنقص من قيمته لا شعوريًّا.
2. مركزيّة الأنا وضعف التّربية الجماليّة
——————————–
* الكاتب الّذي لم يربِّ نفسه على التّلقي النّبيل والجمال النّزيه، سيصعب عليه الاعتراف بتفوّق غيره، لأنّ مركز اهتمامه هو ذاته فقط. في حين أنّ الأدب الحقيقي يُزهر في بيئة يملأها الاعتراف المتبادل لا الاستحواذ الأناني.
3. صراعات المحيط الثّقافي العربي
——————————
في كثير من الأوساط الأدبيّة، خصوصًا العربيّة، تطغى الشّخصنة والشّلليّة والعلاقات النّفعيّة على الفعل الثّقافي الصّافي، فتتحوّل النّجاحات إلى إثباتات تهدّد التّوازنات الهشّة بين الأفراد والجهات.
4. انعدام النّقد الموضوعي
———————-
* حين يغيب النّقد الرّصين، تحلُّ المجاملات أو المشاحنات محلّه. فيرتاب الأديب من أيّ احتفاء بزميله ويظنّه مزيّفًا أو مدفوعًا. فيصبح التّصفيق لبعضهم البعض محكومًا بالظّنون لا بالذّائقة.
5. قصور في ثقافة الفرح الجمعي
—————————-
* كثير من المجتمعات العربيَة تعاني من شحّ في ثقافة الفرح المشترك.
* فالفرد غالبًا لا يتفاعل إيجابيًّا مع نجاحات الآخرين،
* لأنّ الثّقافة السّائدة تربّيه على المقارنة لا المشاركة،
* وعلى الأنانية لا الاحتفال الجماعي.
خلاصة القول ؛
* الكاتب الحقيقي
* النّاقد الجمالي
* الإنسان النّبيل
* هو من يفرح بتفوّق زميله وكأنّه تفوّقه، لأنّه يؤمن أنّ الإبداع الحقيقي لا يهدّد أحدًا بل يفتح أبوابًا للكلّ. أمّا من لا يفرح، فهو لم يتذوّق بعد المعنى العميق للأدب: التّحرّر من الأنا لصالح الجمال.
* إن الأنا المفرطة، حين تتضخّم، تُقصي الإبداع وتحكم عليه بالإعدام الرّمزي، فتسود ثقافة الصّمت والتَناسي بدلًا من الاحتفاء والتّكامل.
* الكلمة الحقّ لا تموت،
ولو حاصروها بالعتمة.
والكاتب الصّادق، حتّى لا لو خاض بحر الوحدة، سيصنع مجده من نقاء نواياه،
ومن وفائه لجوهر الكلمة لا لسطوة الجماعة
الدكتور عبدالكريم الحلو
Discussion about this post