بلوكٌ عقليٌّ
بقلم/ د. دعاء محمود
البلوكُ في لغةِ العصرِ الحديثِ هو “الحظرُ”؛ فأنتَ تقومُ بمنعِ شخصٍ من التَّواصلِ معكَ مرةً أخرى؛ نتيجةً لإهانتِكَ، أو الخلافِ المستمرِّ معكَ.
فهذا البلوكُ يُعدُّ نوعًا من أنواعِ الانتقامِ، والتَّخلّصِ من هذا الشَّخصُ، فهو سبيلٌ للسَّلامِ النَّفسيِّ.
فالعلاقاتُ في مواقعِ التَّواصلِ أصبحت مُهانةً، ركيكةً؛ فالكلُّ متاحٌ، كلُّ الأشياءِ مستباحةٌ وعلى عكسِ الواقعِ أصبحت العلاقاتُ ضربًا من التَّصارعِ والجدالِ اللامنتهي.
عقولُنا تحتاجُ راحةً لا تجدُها في وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعي، أو الحياةِ بصفةٍ عامةٍ؛ صرنا تائهين مشتّتين بينَ رحى الحياةِ.
علينا أنْ نجدَ مخرجًا لكي تستقرَّ الحياةُ، ولم أجد – من خلالِ التَّجربةِ – أفضلَ من “البلوكِ العقليِّ” أو الحظرِ العقليِّ؛ فكما تقومُ بعملِ بلوكٍ لمَن لا تُريدُ التَّواصلَ معه فيختفي تمامًا من صفحتِكَ بكلِّ تفاصيلِه عليكَ أنْ تدرِّبَ عقلكَ على عملِ البلوكِ لتُخفي ما يُضايقُكَ في واقعِكَ أو حتّى على شبكاتِ التَّواصلِ أيضًا، رُغمَ وُجودِه أمامكَ.
البلوكُ العقليُّ حالةٌ عقليةٌ وجدانيةٌ؛ تضعُ نفسكَ فيها تُقرُّ لعقلِكَ الباطنيّ أنِّكَ لا ترى هذا الشَّخصُ ولن يؤثّرَ عليك بعد – من هذا؟!، كيف؟!، لا أعلمُ – حالةٌ من البلاهةِ العقليّةِ تجاهَ ما يُؤذيكَ حتّى تتخطّاهُ، ويُدفنُ في مقبرةٍ لا نهائيّةٍ داخلَ عقلكَ؛ ففعلهُ لا يُؤثّرُ عليكَ وأذاهُ لا يصيبُكَ؛ رُغمَ تعاملِكَ معه، سماعُكَ صوتَهُ، وتأثيرُهُ عليكَ.
حالةُ خروجٍ من رحمِ الأذى النَّفسيِّ إلى حياةِ الهدوءِ، والطّمأنينةِ النَّفسيةِ، ولادةٌ جديدةٌ عقليةٌ لا يشعرُ بها أحدٌ تمارسُها في صمتٍ تستمرُّ أشهرًا، وسنواتٍ؛ حتّى تعتادَ عليها، حينئذ ترى نوعًا آخر من الحياةِ بعقلٍ جديدٍ، ومشاعرَ حياديّةٍ.
نسخةٌ أفضلُ منكَ قادرةٌ على التَّطوّرِ، والإرتقاءِ، نفسٌ هادئةٌ، وقلبٌ دافئٌ جديدٌ يتعاملُ مع الأمورِ برويّةٍ، وحكمةٍ.
طاقاتٌ لا تُهدرُ هباءً، ومشاعرُ لا تُوضعُ في غيرِ محلِّها؛ إنَّه حلٌّ عمليٌّ للمشكلاتِ الّتي لا نستطيعُ التَّخلصَ منها، أو الأفرادِ الدَّائمين معكَ رُغمَ أذاهُمُ إنَّها ليست سلبيّةً؛ بل حلًّا عمليًّا للخروجِ من الآلامِ دونَ مشكلاتٍ.
راحةٌ عقليةٌ قلبيةٌ؛ لمنْ استنفذوا سُبلَ النَّجاةِ للموشكين على الهلاكِ لفاقديّ الدَّعمِ، السَّندِ، والمعونةِ في الحياةِ.
الكاتبة الصَّحفية/ د. دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
Discussion about this post