قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية لقصيدة شيء من نبضات بقلم الناقدة جليلة المازني للكاتبة الهام عيسى

قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية.
القصيدة:(شيء من نبضات نموذجا)
الشاعرة :الهام عيسى(سوريا)
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
المقدمة:
التقطت لنا الشاعرة الهام عيسى لقطة من حديث الروح المسكونة به في
علاقة الحبيبة بحبيبها.
عمّا تحدّثنا روحها حول الحبّ في قصيدتها “شيء من نبضات”؟
القراءة النقدية وفق مقاربة سيميائية:
لقد اختارت الشاعرة عنوانا لقصيدتها “شيء من نبضات”
ورد العنوان جملة اسمية والجملة الاسمية دالة على الحقيقة .
وشيء يدلّ على القلة وهي قلة من نبضات وقد وردت مفردة نبضات نكرة
فأي نبضات يمكن الحديث عنها ؟.
والنبضات يمكن أن تكون نبضات القلب وقد تكون نبضات الروح:
نبضات القلب:هناك النبضات السريعة والبطيئة والمنتظمة:
يقول الشاعر وئام الليثي: واذا مررت بحيّهم ذا مرة//
تتسابق النبضات في أعماقي//
واذا تصادف والتقت نظراتنا//
يا ويل قلبي من لقا الاحداق//
واذا العيون تحدثت نظراتها//
فحديثها سيل من الاشواق//
– نبض الروح:” الصبر هو نبض الروح القوية يجسد قدرتنا على مواجهة الصعوبات بثبات والاستمرار في الطريق حتى تتحقق النجاحات”الصبر هو مفتاح النجاح”(1).
– “نبض الروح:كن قويالان الله معك ,غنيا لان الله رازقك ,منشرح الصدرلان الله وليّك,فلا تهتمّ ولا تغتمّ ولا تحزن ثق بالله دائما وأبدا”(2).
استهلت الشاعرة قصيدتها بجملة استئنافية بحرف الواو(وأرتلك في صومعة قلبي).
يعني ان هناك كلاما سابقا بيد ان الشاعرة لم تبدا بثلاث نقاط حتى يستطيع القارئ ممارسة حقه في التاويل.
لعل الشاعرة استغنت عما سبق التفكير فيه.
استخدمت الشاعرة صيغة الفعل المضارع المرفوع (أرتّلك) الدال على الدوام والاستمرارية فهي تداوم بترتيل الحبيب مستعملة ضمير المخاطب لتضفي المصداقية والواقعية على ترتيلها.
انها تُسخّر قلبها مكانا مقدّسا لترتيل آياته.
“والآيات تُنسبُ للقرآن فآيات الله هي عجائبه قال تعالى:”لقد كان في يوسف واخوته آيات..”(يوسف: الآية 7) أي عجائب وأمور وعبر مختلفة”(3)
والآيات القرآنية تعني في اللغة العربية العلامة والأمارة او المعجزة.
عند ذكرها مرتبطة بالقرآن فهي بمعنى الجمل والفقرات التي وردت فيه ويفضل للقارئ التوقف في نهاياتها.(آية – ويكيبيديا).
فهل للحبيب عجائب وأمور وعبر مختلفة لترتلها في صومعة قلبها؟
ان الشاعرة باسم الحبيبة تحكّم الأيام في حبها (الأيام حجة) وحجة الايام تضفي مصداقية وواقعية على تجربة الحبيبة في الحب ولعلّ القارئ هنا يدْعمها بالمثل الشعبي القائل:”الأيام بيننا” .
ستشهد لها الأيام على حبها من خلال البيانات للتعبير عن ألق الشوق وتهجّيها لاسمه في خطاباتها الطويلة والكثيرة باستخدام التوكيد بالتكرار(“أتهجّاك خطابات ..خطابات…)
ان القارئ هنا يمارس حقه في التأويل ليصفها بالجريئة في البوح بحبها للحبيب في خطاباتها والاعتراف سيد الأدلة على حبها ولعله ينتظر أن يسمع او أن يقرأ خطاباتها في البوح بحبها له.
بيد أن الشاعرة تتدخل لتنتشل الحبيبة من حرج البوح الصريح الذي ينتظره القارئ فتجعلها تستدرك لتقنع القارئ بعكس ما ذهب اليه وبأن خطاباتها كما
أوحت لها الشاعرة “على محراب صمتي”.
ومن الصمت حكمة وحكمة الحبيبة في أن جعلت خطاباتها نوعا من خطابات الروح… انه حديث الروح .
يقول ابن الفارض الشاعر العباسي المتصوّف في قصيدته”حديث الروح”(4):
أخذتم فؤادي وهو بعضي فما الذي//يضرّكم أن تُتْبعُوه بجملتي.
وجدْتُ بكم وجْدًا قُوى كلّ عاشق//لو احْتملتْ من عبْئه البعض كلّت.
بَرَى أعظمي من أعظم الشوق ضعفُ//ما بجفني لنومي أو بضُعفي لقوّتي.
وكأني بخطابات ابن الفارض في حديث روحه تعكس خطابا ت الحبيبة وهي تحدّث روحها.
وهاهي الشاعرة تدعم حديث الروح للحبيبة بقولها:”وفي خطبة الروح”.
والخطبة عادة مقترنة بالامام في صلاة الجمعة او صلاة العيدين وتكون أمام المصلين ليعتبروا بما يقوله الامام الخطيب.
بيْد ان الشاعرة قدأخضعت الخطبة للسرّ دون الجهر بها كماكان ينتظر القارئ فكسرت بذلك أفق انتظار القارئ وجعلت الحبيبة تسرّ خطبتها ولا تجهر بها للآخر لتستمتع بها وحدها وتجعل المتعة حكرا لروحها فتقول:
وفي خطبة الروح
ترفرف حروفك لروحي
وتعزف وترا.
وفي خطبة الروح كل خطاباتها تجعل الحبيبة تعيش حالات مختلفة من المتعة.
انها تعيش متعة المتناقضات لان الاشياء باضدادها تعرف فحروفه في حديث الروح تأسرها وتسحرها فبعد الأسر تعيش السحر /تبعثرها..تلملمها..
فيتعانقان.. ويتقاربان… ويذوبان كالثلج كرات كرات .
انها صورة شعرية جمعت فيها الشاعرة أساليب بلاغية رائعة من طباق ومقابلة(تبعثرني/تلملمني) وجناس(تأسرني/تسحرني-نتعانق نتقارب)ومن
تشبيه(ونذوب كالثلج كرات ..كرات..)ومن توكيد بالتكرار(آيات..آيات/خطابات..خطابات/كرات…كرات)
ان هذه الحالة من الانتشاء تعيشها الحبيبة مرّة لوحدها باستخدام ضمير المتكلم المفرد(تأسرني/تسحرني/تبعثرني/تلملمني). ومرة أخرى تتقاسم المتعة والنشوة مع الحبيب باستخدام ضمير المتكلم الجمع(نتعانق /نتقارب/ نذوب)
فتقول الشاعرة:وفي خطبة الروح.
ترفرف حروفك لروحي
تعزف وترا
تأسرني..تسحرني…
تبعثرني…تلملمني
نتعانق… نتقارب..
ونذوب كالثلج كرات..كرات..
يبدوان الشاعرة تعتنق الحب الروحي الذي يأسر كل كيانها فهي أسيرة سحره وهو مجمّع شتاتها فيتقاربان ويتعانقان ويذوبان كالثلج.
والثلج لا يذوب الا تحت مفعول الحرارة.
انها حرارة المشاعر ودفء العواطف التي تبعث فيهما الحرارة وتقصي برودة المشاعر أوفتورها وتؤجّج ما قد أخمد من نار المشاعر.
ان الحبيبة تؤثر عليه بعطورها والعطور كناية عن خطاباتها العطرة والعبقة والتي تتبخر فيه والتبخر لا يحدث الا بمفعول الحرارة وبالتالي فالحبيبة تحرّك
مشاعره وتستفزّه ليتفاعل مع خطاباتها بليغة البيان وتتوزع ذرات.. وذرات
كأني بالشاعرة تشارك الحبيبة متعتها حين تؤكد (استعمال التوكيد بالتكرار:كرات..كرات/ذرات /ذرات…) انها تستمع على مهل وتتلمّظ طعم خطاباتها لتحتضنها أعماقها وتهمس اليهما أحلى الاغنيات فينتشيا نخوة بحبهما.
تظلّ الشاعرة تراوح بين ضمير المتكلم المفرد والمتكلم الجمع لأن المتعة عندها متعتان :متعة لوحدها ومتعة معه يتقاسمانها.
وهل أكثر من أن يذوب بالوريد والوريد هو”وعاء دموي في الدورة الدموية يقوم بنقل الدم من أعضاء الجسم المختلفة باتجاه القلب للتخلص من ثاني أكسيد الكربون”(4).
وبالتالي يتماهى ويختلط بدمها الذي به تعيش وبدونه تموت لانه يتحوّل الى نبضات قلبية اذا سكتت ماتت ومن ثمّ كان عنوان القصيدة”شئ من نبضات”
وهي نبضات منتظمة وقد تكون سريعة تحت مفعول حرارة المشاعروتأجّجها.
ان الشاعرة استخدمت لغة مزدوجة المرجعية فاختارت معجمية علمية ومعجمية دينية.
فالمعجمية العلمية( تذوب كالثلج/ تتبخذر فيك/ تتوزّع ذرات.. ذرات/ الوريد/ نبضات.. نبضات)تؤكد حقيقة مشاعرها تماما كالحقيقة العلمية التي لا تناقش .
أمّا المرجعية الدينية فهي لتجذير الحب الروحي في هويتنا الدينية.
وكلا المرجعيتين لاقناع القارئ الذي قد يدفعه فضوله بين الحين والآخر للتدخل والتأويل.
وقد دعمت ذلك باستخدام أساليب بلاغية من طباق ومقابلة وجناس وتشبيه وتوكيد
الخاتمة:
لقد رسمت لنا الشاعرة نموذجا من الحب الروحي مستندة الى مرجعيتين دينية وعلمية حتى انه يخيل للقارئ انه ليس حبّا مقدّسا فحسب بل هو حبّ أُخْضعَ الى تجربة علمية داخل المخبرلا تقبل النقاش وقد وشّت هذا الحب بأساليب بلاغية بامتياز قد تسيل لعاب القارئ لاعتناق هذا الحب الروحي.
سلم قلم الشاعرة الهام عيسى هذا القلم الموغل في الحب الروحي المطبوع ببصمتها الخاصة.
بتاريخ:02/05/2024
المراجع:
Linkedln.Free courses&books(1)
الصبر نبض الروح القوية
Telegram Messenger -https://t.me>My_soul 27(2)
نبض الروح
https://www.islamweb.net>fatwa(3)
معاني كلمة آيات-اسلام ويب.
https://www.albayan.ae>last-page(4)
حديث الروح.
https://ar.m.wikipedia.org>wiki(4)
وريد- ويكيبيديا.