علاقة اللغة العربيّة بِتقدّم المجتمع العربي
بقلم/ بومدين جلالي
اللغة العربيّة هي وعاء وجود المجتمع العربي وروحه، وإذا كُسِّرتْ سيحدث تكسير لهذا المجتمع في إجماله وتفصيله … لماذا ؟
سيحدث التّكسير إذا كسرت العربيّة لأنّها الرّابط الرّئيس بين هذا المجتمع وبين الدّين الإسلامي – مقوّمه الأساس – … بينه وبين أناه الجَمْعي القادم من جذور تكوينه … بينه وبين تراثه الحافظ لهويّته … بينه وبين روح واقعه الّتي لا يمكن تغييرها بجرّة قلم ولا بألف جرّة وجرّة كما حاول الاستعمار وورثته ذلك … بينه وبين طموحه المشروع الّذي يريده أن يبقى حاضرا في صناعة التّاريخ، ولا حضور له إلا ببقاء “” الأنا العربي “” المنماز بلغته أساسا وتأسيسا وتطوّرا تاريخيّا في مقابل “” الآخر المختلف “” المنماز بلسانه وغيره من الاختلافات.
من هنا؛ فعبارة ” المجتمع العربي ” لا معنى لها إلا بوجود اللسان العربي في مستويين، أولهما اللغة العربية الفصحى في المعرفة الدّينيّة والمعرفة الدّنيويّة بصورتيهما الشّموليتين الرّسميتين الرّابطتين بين جميع جزئيّات هذا الكلّ الكبير، وثانيهما اللهجات العربيّة الدّارجة المتولّدة عن الفصحى والقريبة منها روحا وتركيبا ومعنى في الغالب ضمن الأوساط الشّعبيّة في تعبيرها عن بعض حاجاتها اليوميّة العاديّة.
والتّقدّم الوحيد الّذي تحيل عليه دلالة لفظ ” التّقدّم ” بالتّمام والكمال وفي إطار الخصوصيّة وعدم الذّوبان في الآخر المختلف المهيمن حاليّا لن يحدث عند العرب إلّا بلغّتهم العربيّة الفصحى … وإن حاولوا بغيرها سيكون مصيرهم التّبعيّة لغيرهم والذّوبان فيه تدريجيّا إلى غاية الخروج النّهائي من مسرح التّاريخ.
مع الإشارة – للانهزاميين والمتآمرين معاً – إلى أن اللغة العربيّة الفصحى غير قابلة للهزيمة والانقراض والخروج من التّاريخ … وهذه عوامل ذلك :
• أوّلا – دينيّتها الثّابتة عند الخاص والعام من المنصفين والمنصفات.
• ثانيا – ثراؤها وشموليّتها وسعتها ودقّتها وانفتاحها على الإضافة وتربّعها على عرش ترتيب جميع اللغات.
• ثالثا – أقدميّتها في الظّهور بوجه مكتمل على وجه الأرض واستمرارها المتواصل في التّاريخ الطّويل العريض من غير قطيعة.
• رابعا – تراثها الضّخم الفخم الّذي ما ترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها بجميع أوجه التّناول.
• خامسا – جمالها الفنّي الّذي فاق كلّ جمال حين الحديث عن نبضات القلب الولهان ووساوس الرّوح القلقة ومعاناة الإنسان وغير الإنسان ضمن تعاقبات الليل والنّهار في واقعيّات وغرائبيّات كانت الحياة حياة بها.
• سادسا – قدرتها البالغة على استعراب روح هذا العصر التكنولوجي – بدليل حوسبتها في وقت قياسي – والمساهمة الفاعلة في جميع حيثيّات ما نستقبل من الزّمان وذلك بفعل جمهور كبير جدّا من أبنائها الأوفياء وبناتها الوفيّات في الأقطار العربيّة كلّها والمهاجر المتعدّدة من الّذين جمعوا بين الدّين والعلم والثّقافة وجرأة أسلافهم الميامين وإرادة الإنسان النّابع من ذاكرة الصّحراء، وهم يشتغلون دون ثرثرة ولا بهرجة من أجل غد أحسن وأجمل بمشيئة الله تبارك وتعالى، وعونه وتوفيقه سبحانه.
وفي ختام هذه الكلمة المختصرة أسجّل تثميني لوعي حملة الحرف العربي الصّامدين في وجه حملات تشويهه .. العاملين على نصرته في السّرّاء والضّراء … المقتنعين بضرورته الإنسانيّة / الرّساليّة الخادمة لهم ولغيرهم.
بقلم : بومدين جلالي
Discussion about this post