“المتزوّجون”: لوحة فنيّة تَضحَك لها الأزمان .
بقلم : سلمى صوفاناتي
في رِحابِ المسرحِ المصريّ، حيثُ تُنسَجُ ألحانُ الضّحكِ مِن خيوطِ الواقعِ المرير، شغوفةٌ أذهانُنا بذلكَ العملِ السّاحرِ الّذي حوّلَ التّفاصيلَ العاديّةَ إلى مَشاهدَ تَعبقُ بِحِنكةِ الفُكاهةِ وَعمقِ الإنسانيّة. إنّها رائعةُ “المتزوّجون”، الّتي صاغَتْها أيادٍ فنيّةٌ ذهبيّةٌ، فَغَدَتْ مَعلَمًا ثقافيًّا يَتردّدُ صَداهُ عبرَ الأجيال.
— سيمفونيةُ الكوميديا: بينَ الحَنَفيّ وَالمَسعوديّ :
في هذا العالَمِ المَرِح، يَبرُزُ “ثُلاثيُّ الضّحكةِ الذّهبيّ”:
– “سَمير غانم” (الحَنَفيّ): بِوجهِهِ الّذي يَحمِلُ بَيْنَ تَعابيرِهِ سَذاجةَ الطّفولةِ وَحِكمةَ المُتزوّجينَ، يَنسجُ خيوطَ التّعاطفِ مَعَ الجمهور.
– “جورج سيدهم (المَسعوديّ): بِخِفّةِ ظِلّهِ وَطَموحِهِ الّلامُتناهي، يَصنَعُ مِن دَورِ الجارِ فُسيفساءً مِنَ المَواقفِ الّتي تَذوبُ مِنَ الضّحك.
– “شيرين” (نَفيسة): بِبَريقِ أنوثَتِها وَذَكاءِ أدائِها، تَحمِلُ العَملَ عَلَى أكتافِها كَرائحةِ العِطرِ في لَيلةِ الزّفاف.
تَدورُ الأحداثُ حَولَ زَواجٍ يَتحوّلُ إلى مَسرَحٍ لِلَمْزِ الحَياةِ الزّوجيّةِ، حَيثُ تَتَلاقى الأَمنياتُ وَالواقعُ في رَقصَةٍ مَرِحةٍ تَسحَرُ القُلوبَ.
—
إرثٌ لا يَبلى: ذاكرةٌ تَحمِلُ عِطرَ المَاضي :
لَمْ تَكُنْ “المتزوّجون” مَسرحيّةً عابِرَةً، بَلْ صارتَ جُزءًا مِنْ نَسيجِ الذّاكِرةِ الجَماعيّةِ. فَمَنْ مِنّا لَمْ يَسمعْ صَوتَ حَنَفيّ وَهُوَ يُحاوِلُ فَهمَ عَالَمِ نَفيسة؟ أَو لَمْ يَضحَكْ لِطُموحاتِ المَسعوديّ الّتي تَتَجاوزُ حُدودَ المَنطِق؟
وَلَئِنْ كانَ الزّمنُ قاسيًا عَلَى كُلّ شَيءٍ، فَإنّ هَذِهِ المَسرحيّةَ ظَلّتْ كَالشّمسِ، تُشرِقُ كُلّما ذُكِرَتْ. حَتّى أنّ الفَنّانةَ “إيمان سعد” أَحيتْ ديكورَها بِمَجسّمٍ صَغيرٍ، كَأنّها تَقطفُ زَهرَةً مِن بُستانِ الذّكرياتِ، لِتُذكّرَنا بِجَمالِ المَاضي.
— مَشاهدُ تُحفَرُ في القُلوبِ :
– “لَيلةُ الزّفافِ”: حَيثُ يَختلطُ خَوفُ حَنَفيّ بِبَراءةِ نَفيسة، فَيَصنَعانِ مَشهدًا يَذوبُ فِيهِ الحُبُّ وَالضّحكُ.
– “إفيهاتُ جورج سيدهم”: كَاللّآلِئِ المُتناثِرَةِ، كُلٌّ مِنها يَحملُ فِكرَةً وَضَحكَةً، فَتَجعَلُ المَسرحيّةَ تَتألّقُ كَالعِقدِ الثّمينِ.
– “الدّيكورُ البَسيطُ”: بَيوتٌ تَحمِلُ رائحةَ المَصريّ البَسيط، وَأثاثٌ يَحكِي قِصَصًا لَمْ تُحكَ.
—
فُكاهةٌ تَختبئُ فِيها دُموعٌ :
تَحتَ ظِلالِ الضّحكِ، تَختفي حِكَمٌ عَميقةٌ عَنِ الزّواجِ وَالحَياةِ. فَالْمَسرحيّةُ لَمْ تَكُنْ سَردًا لِمُجرّدِ نُكتَةٍ، بَلْ نَقدًا لَطيفًا لِمُجتَمَعٍ يَبحثُ عَنِ الحُبّ فِي زِحامِ المَادّيّاتِ.
—
الخِتامُ: لَوْحةٌ فَنّيّةٌ تَبتَسِمُ لِلزمنِ :
إِذا كَانَ لِلضّحكِ وَطَنٌ، فَإِنّ “المتزوّجون” هِيَ عَاصِمَتُهُ. وَإِذا كَانَ لِلذّكرياتِ عِطرٌ، فَهَذِهِ المَسرحيّةُ هِيَ الرّائحةُ الّتي تَعْبَقُ فِي أرواحِنا كُلّما ذَكَرناها.
فَإِلى جانِبِكُم أَيّها القُرّاء، أَدعوكُم لِتَذوّقِ هَذِهِ الرّائعةِ، فَمِنْ خِلالِها، نَفهَمُ أَنّ الحَياةَ قَدْ تَكُونُ مَسرحيّةً، لَكِنّ الضّحكَ هُوَ الّذي يَجعلُها جَميلَةً.
Discussion about this post