ذاكرة لا تموت:
قراءة في نصّ يكتبُ التّاريخ بنداء القلب
صاحب النّص / د. أشرف كمال
قراءة انطباعيّة/ أيمن دراوشة
النّصّ:
من وصاياها…
الجرح يلد جراحات يا أشرف، وقلبك الموجوع كوفيّة على أكتاف العاشقين، تجوب الكون كلّه، تتعمّم بها الرّؤوس وتتمسّك بها الأكفّ الفزعة لحظة الرّحيل.
قلبك الدّامي حشرجة باكية، صوت مخنوق وبقايا دمعة ساخنة. قلبك الجائع للأحزان يأكل الموت من جوعه كلّ يوم يا أشرف.
حدّثتك مرارا أن صنّاع الموت يتفنّنون في صناعة نسخ جديدة للهلاك وينصبون الفخاخ للشعب الأبيّ، حدّثتك أنّ الموت خدعة وأنّ الحرب خدعة، وأنّ كلّ الّذين وهبوا أرواحهم للقضيّة ويهبون لا يقنعون بالقليل وهم يلعبون مع الموت وفق قوانينهم وبأسلوبهم. الحياة بلا شرف بِدعة، والموت بلا هدف يا أشرف سمّ يتجرّعه الجبناء جُرعة جُرعة.
—
1- مقدمة:
في نصٍّ يتقدَّم من عمق الجرح الفلسطيني، ترتفع الكلمات ككوفيّةٍ مبلّلة بالدّمع، لا تُزيّن المعنى، بل تصرخ به.
من وصاياها… ليس مجرّد نصّ، بل مرثيّة وطنيّة تكتب على حافة القلب، حيث تتحوّل اللغة إلى نايٍ حزين يعزف وجع الأرض، ويجعل من الحروف مرآة لذاكرة لا تنكسر.
2- كوفيّة المعنى ودمع النّداء:
نصّ ينبض بحقيقة موجعة، والمطعّم بلغة النّداء والدّمع والوصايا. النّصّ يكتسي بالحزن كما لو كان دعاءً يُرسل إلى الأرواح الّتي ما زالت تُنصت لصرخة الأرض. تتجلّى الذّاكرة الجريحة فيه ككوفيّةٍ تلفّ المعنى، لا كقطعة قماش، بل كأيقونة للفقد، تروي حكاية النّزف لا بالحروف، بل بدموعٍ تسيل من سطور التّاريخ.
3- البناء اللغوي:
جاءت لغة الكاتب مجنّحة، محمّلة بالصّور الشّعريّة العالية الّتي تنتمي إلى أدب المقاومة الوجداني. فعبارة مثل : “الجرح يلد جراحات” تعبير مكثّف، ينحت الألم ويكرّره، لا ليرثي؛ بل ليشهد. وهذا التّكرار الرّمزي لم يكن عبثًا، بل ضرورة سياقيّة لفهم عمق المأساة الفلسطينيّة بصفتها نزيفًا متواصلًا لا جرحًا عابرًا.
أمَّا عبارة “قلبك الموجوع كوفيّة…” فهي صورة نابضة بالحياة، تجعل من القلب المكلوم شارة كرامة يتقلّدها العاشقون؛ لتخرج من السّياق الفرديّ إلى المعنى الجمعيّ، حيث يتحوّل الجرح الفرديّ إلى علامة للهوية.
4- توظيف الأنا الفرديّة كمرآة لحال الأمّة:
يُحسب للنص توظيفه لحالة “الأنا” أو بمعنى آخر الكاتب نفسه، كمرآة لحال الأمّة، دون السّقوط في التّقريريّة أو الخطاب السّياسي المباشر.
فجملة مثل: “قلبك الجائع للأحزان يأكل الموت من جوعه كلّ يوم يا أشرف”، تضع الحزن في موضع الفاعل القادر، والموت في موقع الوجبة اليوميّة، في قلب مجاز مرير، هذه الاستعارة المركّبة باحترافيّة تفتح على تأويلات لا نهائيّة، وهي سمة من سمات النّصوص العميقة الّتي قلَّ نظيرها.
5- فيض الألم:
يوشك النّصّ أن يفيض بالألم حتّى يغمر المعنى أحيانًا، مما يجعله أكثر وقعًا في النّفس.
6- نَفَس فكري عميق:
يظهر الكاتب في المقطع الأخير نَفَسًا فكريًّا عميقًا، أقرب إلى الحكمة الختاميّة:
“الحياة بلا شرف بدعة، والموت بلا هدف سمٌّ…”. هذه الثّنائيّة تُثبّتُ القيمة، وتكشف الموقف الأخلاقي للنصّ، في آنٍ واحد.
7- خاتمة:
نصّ الدكتور أشرف كمال لا يُقرأ، بل يُحسُّ تتبعه تنهيدة طويلة.
إنّه طَعْمُ البلاد حين تُروى من دمع المبدعين. هو نصّ وفيّ للوجع، ووفيّ للشرف، وهذه أسمى درجات الكتابة.
Discussion about this post