قراءتي في قصيدة(يا حب …ما عندك سوء)
للشاعر التونسي حمد حاجي
تـصـديـــر:
الحبّ هو عاطفة معقّدة ورائعة في الآن نفسه
تجلب السَعادة وفرحة الحياة والطّاقة الايجابية
حتّى وإن صادفت العراقيل والصّعوبات…
وقصيدة (يا حبّ …ما عندك سوء )معمارها الحبّ
وهذا يأخذنا إلى أشهر النّظريّات المختلفة للحب أقصد نظرية الحبّ الثّلاثيّة الّتي طوّرها عالم النّفس
روبرت ستيرنبرغ وهي ترى أنّ الحبّ قائم على ثلاث مكوّنات وهي:
الحميميّة(تشمل المشاعر والأفكار)
العاطفة(الحبّ عاطفة)
الالتزام( اعتناق وترابط وتعاقد)
وهذه القصيدة قامت على دعامتين أي الحميميّة والعاطفة وأخلت بالثالثة وهي الالتزام
وعبر قراءتي يَثبت أنّ عملية حظر (البلوك )الحبيبة لحبيبها تؤيد التّخلّص من الالتزام
—في رحاب القصيدة
هذه القصيدة تقوم على توتّر عاطفي حادّ بين الشاعر والحبّ، حيث يُجرّب الحبيب لحظات القرب(الحب) واللذة(الحميمية)ثمّ يتعثّر في البعد والخذلان (التخلي عن الالتزام )لينتهي بحالة من التّهكّم والسّخرية المبطّنة بالحزن…
أما البناء الفني والمعنوي فقد اعتمد على الآتي
-أولا- التّجربة الحسّيّة والوجدانيّة
حيث يبدأ الشّاعر باستدعاء لحظات الشّغف الجسدي:
(تدفن أنفكَ مثلي بدغل ضفائرها)
هذا التّصوير الحسيّ العميق يرسّخ الحضور الجسدي للحبيبة،وهذا لا يعني مجرّد الحضور الشّبقي، بل يعتبر جزءا من محاولة فهم العلاقة بشكل أعمق…والشَاعر وظّف الفعل “تبحث” في: (وحاولتَ تبحث عن قبلة بين أذن وعاطر نوء)
في إشارة منه إلى أنّ الحبّ في قاموسه ليس مجرّد استمتاع ولذّة عابرة بل هو استكشاف مستمرّ، ودهشة طفوليّة لا تخبو ،وكأنّ القُبلة مستترة في زوايا الجسد وسراديب الرّوح وفي الوقت ذاته، في أزمنة المطر (النوء)
والمطر ماء والماء رمز الخصوبة الّتي تمثّل هنا خصوبة وسخاء المشاعر
-ثانيا -تلاشي الحلم والنّدم اللّاحق فبعد التّصعيد الحسيّ يأتي الانكسار والخيبة
(وراح الزّمان بذكرى الهوى
وبقى لَك ليت ولوْ .. لوْ..)
هنا يظهر الفارق بين الفعل الماضي (راح) وما تبقّى (ليت ولوْ)، أي أنّ الحبّ لم يبقَ سوى في التّمنيّات، و لحظات النّدم الممتد في الوعي واللّاوعي
و(لوْ ) هنا تُكرَّر لتُجسّد التلهّف على احتمالات وأمانٍ ضائعة لم تتحقّق وتبخرّت مع الأيام
كما أنّ الحبّ الجارف قابله الخذلان الرّقمي حيث ينتقل الشّاعر إلى مشهد عصريّ حين تتّخذ الحبيبة موقفا حاسما تجاهه عبر خاصيّة (البلوك) أو الحظر
{وهل قلتَ مثلي: إذا أسندَتْ لك (بلوك)
أنا مخطئ .. من جماعة… بوْ، بوْ…!؟}
فـتبرز السّخرية؛ فـ(بوْ، بوْ) مع الاستهزاء، وكأنّ الشّاعر يُحاكي تبريراته السّاذجة أمام نفسه…
وها نحن حيال الخذلان الرّقميّ،الّذي يُعبَّر عنه بكبسة زرّ، ممّا حوّل الحبّ إلى معادلة باردة لا لا روح فيها بينما الشّاعر ما زال يحمل وجدانا دافئا وقلبا طافحا بحرارة الحبّ
وموقف المعشوقة من العاشق
تضع عدّة استفهامات وتساؤلات منها
هل كانت هناك علاقة حبّ حقيقيّة عرفت الحميميّة
أم أنّها كانت مجرّد علاقة افتراضيّة أو وهميّة شأن علاقات العالم الأزرق الّذي يسبح فيه النّفاق وتعشّش فيه الأوهام والخداع؟
مع تأكيد على ميثاق الحبّ في الذّاكرة((أحبّك ما هلّ شهرٌ ../وماحام طير بجوْ)
في نهاية القصيدة نحسّ نبرة تقارب الشعر الجاهلي في وفائه حيث يقول :(أحبك ما هلّ شهرٌ ..وما حام طير بجوْ…)
كما نستشعر سرمدية الحب (عند العاشق )، ولا يمكننا الجزم والقطع باستمراريته وبقائه(عند المعشوقة)
ويذهب الشاعر إلى الأبعد فـيربطه بحركة الكون، وكأنّ هذا العهد محكوم بالطبيعة نفسها وبتقلباتها عبر الفصول وتعاقب الليل والنهار
—أخلص عبر كل ردهات القصيدة نجد أنفسنا أمام شاعر في حالة حب
وفي هذه القصيدة يلتقي الشاعر حمد حاجي بمحمود درويش الذي قال:(الخذلان أكبرُ هزائمنا، لذلكَ نحنُ مكسورونَ من الداخل)
والحب إذا تخلّى وتحصن بالخذلان يُطفئ نور الكون بأكمله ولا لوم على عاشق مخذول…
————————-
نـــص القصـيدة
يا حبّ.. “ما عندك سوءْ”
لٓوَ أنكَ جَرّبتَ
تدفن أنفكَ مثلي
بدغل ضفائرها أوْ..
وحاولتَ تبحث
عن قبلة
بين أذن وعاطر نوء..
وجرّبتَ تمسكُ
بين الأنامل شامتها
وتصرخ من لذّة وَوْ..
وتبحث في الحلم
عن بقعة في الظَلام
وكوة ضوّ
وأدنيتَ خصرها لكفوف يديك
وراح الزّمان بذكرى الهوى
وبقى لَك ليت ولوْ .. لوْ..
وهل قلت مثلي
لها حين تمرض
يا حبّ.. “ما عندك سوءْ”
وهل قلتَ مثلي: إذا أسندَتْ لك (بلوك)
أنا مخطئ ..
من جماعة… بوْ، بوْ…!؟؟
وهل قلت- إن حَظَرتك – مثلي:
(أحبك ما هلّ شهرٌ ..
وماحام طير بجوْ…)؟!
دام لك دفق اللغة وعنفوان الذات الشاعرة دكتور حمد حاجي الشاعر
فائزه بنمسعود
Québec/9 /3/2025
Discussion about this post