🌿رؤيتي في قصيدة(ماذا لو …)
للشاعر التونسي:عمر دغرير
——-
تصدير
يقول الشاعر محمود درويش: (في اللغة نجد حلولنا، في اللغة نحاول أن نزوّج المعلوم من المجهول، في اللغة نسافر ونعود، في اللغة نرسي للسفر قواعد سفر رمزيّة، وتكسر ذاتها لتبني ذاتها، أو تكسر السّفر، في اللغة نصالح ما لا يتصالح في الواقع)
وها نحن أمام شاعر يمتطي بساط اللغة ولغته الشّعريّة مشاكسة غير مهادنة وقد تكون مزعجة للّذين يركنون لغويّا إلى الاطمئنان والاكتفاء بالسّطحيّة …
كما أنّ الكثير من الشّعراء كتبوا (اللولوات)وأنا منهم ففي مطلع قصيدتي(ماذا لو)اقول
ماذا لو..
ورد البساتين لي وصفك
والله في حدائق الفؤاد
زرعك…؟
والشّاعر فارس قطرية كتب
ماذا لو عاد معتذرا…
—جولة مع القصيدة
قصيدة تعتمد أسلوب التّساؤل الافتراضي والشّاعر استثمر أداة “ماذا لوْ…”، مما يمنحها طابعًا تأمّليّا عاطفيّا وهذا الأسلوب يفتح أفقا بل آفاقا براحا للخيال فتبرز احتمالات عدم تحقّق بعض المعطيات وحتّى بعض التّوقّعات وهذا يخلق توتـّرا دراميّاً داخل النّص
تبرز نقاط القوّة في القصيدة
-أوّلًا في الافتتاحيّة الجاذبة :حيث يبدأ الشّاعر بأسئلة ذات بعد فلسفيّ عن الصّبر والعشق، مستحضرًا أيوب كنموذج أسطوري للصبر… هذه البداية تمنح النّص عمقًا وجدانيًّا وتضع القارئ في جو تساؤليّ مشوب بالحيرة منذ الوهلة الأولى
-ثانيا— البنية المتصاعدة: يتدرّج النّص من الحديث عن الصّبر والعشق إلى الإحساس بالضّياع، ثمّ يصل إلى الذّروة في مقطع القبلة والهمس، وهذا يمنح القصيدة إيقاعا متناميا يشدّ القارئ…
—ثالثا -يمتلك النّص صورًا شعريّة موغلة في الشّاعريّة والجمال مثــل :
• “الشعر عندي يثور غيضًا” وهذا تشخيص فنّي يجعل الشّعر كائنًا حيًّا يغضب ويتفاعل فالشّاعر عمل على أنسنة الشّعر
“والقبلة مثل النّسيم إذا هبّت على أوتاري النّائمة” تشبيه رقيق يعكس رومانسيّة اللحظة ومفعولها في الذّات الشّاعرة
— النّصّ يبدأ بفكرة الصّبر والعشق، ثمّ ينتقّل إلى الضّياع، ثمّ إلى اللقاء الحميمي، مع الإيحاء بأن الحبّ نفسه هو الّذي يفرض الصّبر،كما أنّ الضّياع في الكلمات هو نتيجة مباشرة للحبّ
أخلص إلى أن
قصيدة (ماذا لو…)تمتلك إحساسًا مرهفًا وموسيقى داخليّة جذّابة، وهي مبنيّة على بنية تساؤليّة ثريّة مع روح عاطفيّة تأمليّة شفيفة أعطت القصيدة أبعادًا جماليّة لا محدودة
نصّ القصيدة
قصيد من الزّمن الجميل :
من مجموعتي الشعرية (فنجان شاي )
“ماذا لوْ…”
ماذا لوْ لمْ يكنْ
صبر العاشقين كبيرا؟..
و أيوب لمْ يتركْ من الصّبر,
في ذا الزّمان
قدرا وفيرا؟..
و أنت كما لوْ لمْ تكوني
على المدى غازية و مغيرةْ؟..
ماذا لوْ لمْ أكنْ عاشقا,
و مشاكسا للعيون اللوافح و المثيرةْ؟..
الشّعرُ عندي يَثورُ غيضا..
و يهتزّ على هوى الفاتنات كثيرا؟..
ماذا لوْ لمْ أكنْ
أغيب في الكلمات..
يضيّعني الحرف
و يتلف أحلامي القادمةْ؟..
عبثا أحاول مسك نظراتك الحالمهْ..
عبثا ألملم شعرك الهائمَ ..
لا أترك أبدا سماءك غائمهْ..
لكنّه موجع بعد التّلاقي,
همس شفاهك النّاعمهْ…
و القبلة مثل النّسيم
اذا هبّت على أوتاري النّائمهْ..
تلهب الحرف في أعماقي .
—————
أخــتــم
وكأنّي بالشّاعر عمر دغرير يسيرعلى خطى (Stéphane Mallarmé )
ستيفان مالارميه شاعر التّغيّر والعدم والجمال الذّي يؤمن (أنّ اللغة موجودة وجاهزة للخدمة ، وأنّ الأشياء موجودة ، ولا نحتاج إلى إنشائها فنحن نحتاج فقط للاستيلاء على العلاقات فيما بينها)
وشاعر ماذا لـو…خلق لغة شعر جديدة وحرّرها من القيود الّتي كبّلتها فباتت طيّعة بين يديه وأعاد صياغتها في تحدٍ جميل…
دامت لك طواعية اللغة صديقي المبدع
ملاحظة قراءتي هي مجرد قراءة بروح الشّاعرة وأنا لست ناقدة ولا أنتمي لأيّ مدرسة نقديّة مع احتراماتي للسادة النّقاد
فائزه بنمسعود
Discussion about this post