بقلم: سيف الدين بوكفة
في عالم تمور فيه الأحداث، وتتقاطع فيه المصالح، لا يختلف المشهد الإعلامي والسّياسي كثيرًا عن رقعة الشّطرنج. هناك قطع كبرى تتحرّك، وقطاعات صغرى تُستهلك. لكن من يُجيد اللعب، يعلم أنّ النّصر لا يُنتزع من خلال تحريك الوزير أو الملك مبكّرًا، بل من خلال الجنود.
البيدق: اللاعب الصّامت الّذي يربك الخصم
البيدق في الشّطرنج ليس مجرّد قطعة بسيطة. هو البداية، وهو الاختبار، وهو أساس التّمويه. في العمل الصّحفي، الجنود هم التّفاصيل الصّغيرة، العبارات المحسوبة، التّريّث في إصدار الأحكام، والصّمت الذّكيّ. وفي السّياسة، الجنود هم الإجراءات الرّمزيّة، الحركات التّكتيكيّة، والضّغط غير المباشر.
القاعدة الذّهبيّة: لا تحرّك القطع الأساسيّة مبكّرًا
الوزير، القلعة، الفيل… هذه القطع تمثّل المقالات الصّادمة، التّصريحات النّاريّة، والمواقف القاطعة. إخراجها قبل أوانها يعرضك للخسارة، ويجعل خصمك يراك بوضوح. أمًا تركها تنتظر خلف الجنود، فهو ما يربك الخصم ويجعل منك لاعبًا استراتيجيّا.
من البيدق إلى الوزير: كيف تربح مرّتين؟
في الشطرنج، إذا وصل البيدق إلى الصّف الأخير، فإنّه يتحوّل إلى أيّ قطعة يختارها اللاعب – عادة الوزير. هذا بالضبط ما يحدث حين يتقن الصّحفي أو السّياسي فنّ الصّبر والمناورة:
تصريح محسوب = ردود فعل مدروسة.
خطوة صغيرة = مكاسب غير متوقّعة.
سكوت في لحظة عاصفة = هيبة وتأثير لاحق.
حين يكون الصّمت أقوى من الصّوت
في القضايا الحسّاسة، يكون الصّمت الاستراتيجي أعظم بيان. مَن يستعجل، يفضح أوراقه. ومن يصبر، يكتب التّاريخ.
خاتمة
تعليمات الشّطرنج لا تُدرّس فقط في مدارس النّخبة، بل تُمارَس كلّ يوم على أرض الواقع. الصّحفيّ الذّكيّ، والسّياسيّ الحكيم، لا يتحرّكان بالفوضى، بل ببوصلة عميقة تقول:
“دع جنودك يمهّدون الطّريق، ثمّ اضرب حيث لا يتوقّع الخصم.”
Discussion about this post