—
صِرَاعُ الهَمَجِيَّةِ وَالحَضَارَةِ
يا لَهَذَا الْكَوْنِ،
يَفْتَحُ بَابًا لِلْحَضَارَةِ
كُلَّمَا خَفَقَ فِي صَدْرِ الْإِنْسَانِ
صَوْتٌ يَطْلُبُ أَنْ يَرَى أَبْعَدَ مِنْ جِلْدِهِ،
أَنْ يَخْطُو خَارِجَ صَدَفَتِهِ،
وَيَتْرُكَ لِلرِّيحِ فُسْحَةً
لِتُعِيدَ تَرْتِيبَ الْغُبَارِ عَلَى رُوحِهِ.
ثُمَّ يَا لَهَا مِنْ هَمَجِيَّةٍ،
تَلْتَهِمُ الِاخْتِلَافَ كَمَا تَلْتَهِمُ النَّارُ أَعْشَابَ الْخَوْفِ،
تَرَى فِي كُلِّ سُؤَالٍ خَنْجَرًا،
وَفِي كُلِّ خُطْوَةٍ نَحْوَ الْغَدِ
إِهَانَةً لِمَاضِيهَا الْمَثْقُوبِ بِالْعَتْمَةِ.
تَجْثُمُ عَلَى صَدْرِ الزَّمَنِ
كَأَنَّ النَّهَارَ جَرِيمَةٌ
يَجِبُ كَتْمُ أَنْفَاسِهَا.
وَمَعَ ذٰلِكَ…
يَقِفُ الْإِنْسَانُ الْمُتْعَبُ،
ذٰلِكَ الْمُسَافِرُ الَّذِي تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِنَجْمَةٍ وَحِيدَةٍ،
يُمْسِكُ بِيَدِ الْحُلْمِ
وَيُشْهِرُهُ فِي وُجُوهِ الْعَاصِفَةِ.
يَمْشِي…
وَمَعَهُ الْمَاءُ يَتَهَدَّى،
وَمَعَهُ الْأَغْصَانُ تُصَحِّحُ هَيْئَةَ الرِّيحِ.
هُوَ يَعْرِفُ
أَنَّ طَرِيقَ الْحَضَارَةِ
لَيْسَ نُورًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ،
بَلْ قَدَمٌ تَرْفُضُ أَنْ تَخُونَ خُطُوَتَهَا،
وَصَوْتٌ يَقُولُ:
«لَا تَسْقُطْ فِي الْبِئْرِ،
لَا تُسَاوِمْ ظِلَّكَ،
لَا تَعُدْ إِلَى صَوْتِ الْوَحْشِ
وَهُوَ يُغَنِّي لِعُرْيِهِ.»
فَأَبْشَعُ هَزِيمَةٍ
أَنْ يَخْلَعَ الْإِنْسَانُ عَقْلَهُ،
وَأَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى صَدًى بَارِدٍ
فِي غَابَةٍ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ جِذْعٍ يَابِسٍ
وَقَلْبٍ يَطْلُبُ حَيَاةً.
وَمَعَ ذٰلِكَ…
يَبْقَى فِي الْأَعْمَاقِ نَبْعٌ خَفِيٌّ،
يُنَادِي الْإِنْسَانَ حِينَ تَتَعَالَى طُبُولُ الظَّلَامِ،
يَقُولُ لَهُ:
تَذَكَّرْ أَنَّ يَدَكَ خُلِقَتْ لِتَرْفَعَ،
وَصَوْتَكَ خُلِقَ لِيَشْهَدَ
أَنَّ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا الْغَاضِبُونَ.
فَفِي صَدْرِ كُلِّ حَيَاةٍ
جُرْحٌ يُنْبِتُ ضَوْءًا،
وَفِي كُلِّ مَدِينَةٍ تَحْتَرِقُ
طِفْلٌ يَنْفُخُ عَلَى رَمَادِهَا
لِكَيْ يَسْتَيْقِظَ غَدٌ
يَسِيرُ عَلَى قَدَمَيْنِ.
وَلَعَلَّ الْإِنْسَانَ،
حِينَ يُغْمِضُ عَيْنَهُ عَنْ صَخَبِ الْعَالَمِ،
يُدْرِكُ أَنَّ الْحَضَارَةَ
لَيْسَتْ جِدَارًا مِنْ حِجَارَةٍ،
بَلْ نَبْضَةً تَخْتَارُ أَنْ تُحِبَّ
رَغْمَ أَنِيَابِ اللَّيْلِ.
وَمَعَ ذٰلِكَ…
سَيَنْبُتُ السَّلَامُ،
وَلَوْ مِنْ شَرَارَةٍ تُقَاوِمُ رَمَادًا،
وَسَيَرْتَفِعُ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ
يَكْفِي لِيُعِيدَ لِلْعَالَمِ
وَجْهَهُ الْقَابِلَ لِلْحُلْمِ.
بقلم الشاعر مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































