أَحْمَدُ رَاجِحٌ، حُلْمِي أَنْ أَرْسُمَ رِسَالَةً هَادِفَةً فِي تَطْوِيرِ المُجْتَمَعِ…
بقلم : سلمى صوفاناتي
فِي تِلكَ المَدِينَةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُ سِنَةَ اللَّيْلِ، حَيْثُ تَتَهَاوَى النُّجُومُ تَحْتَ وَطْأَةِ الأَخْبَارِ العَاجِلَةِ، وَيَنْجَلِي الفَجْرُ عَنْ حَكَايَاتٍ لَمْ تُرْوَ بَعْدُ، وُلِدَ قَلَمٌ لَمْ يَكْتَفِ بِالسَّيْرِ عَلَى الأَرْضِ، بَلِ اخْتَرَقَ الظَّلَامَ بَاحِثًا عَنْ شَظَايَا الحَقِيقَةِ. أَحْمَدُ رَاجِحٌ، لَيْسَ مَجَرَّدَ اسْمٍ يَتَهَادَى بَيْنَ صَفَحَاتِ الصُّحُفِ أَوْ يَتَرَدَّدُ صَدَاهُ فِي الأَثِيرِ، بَلْ هُوَ سِفْرٌ مَفْتُوحٌ مِنَ الغِوَايَةِ الإعْلَامِيَّةِ، رَجُلٌ جَعَلَ مِنَ الكَلِمَاتِ خِيَمَاتٍ يَرْتَحِلُ بَيْنَهَا، وَمِنَ الحُرُوفِ عَوَالِمَ يَبْنِيهَا ثُمَّ يَهْجُرُهَا، كَأَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ فِي مَمْلَكَةِ “صَاحِبَةِ الجَلَالَةِ”.
اِنْطَلَقَ صَوْتُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنْ اسْتُودِيُو صَغِيرٍ فِي إذَاعَةِ “فَرَحْ إف إم”، حَيْثُ كَانَتِ الكَلِمَاتُ تُنْسَجُ كَالْحَرِيرِ، خَفِيفَةً وَلَكِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى حَمْلِ العَالَمِ. كَانَ مُحَرِّرًا يُوَلِّدُ النَّبْضَ بَيْنَ السُّطُورِ، يُنَظِّمُ الفَوْضَى بِعَيْنٍ تَعْرِفُ أَنَّ الفَنَّ الحَقِيقِيَّ هُوَ إخْفَاءُ الفَنِّ. ثُمَّ اِنْتَقَلَ إِلَى جَرِيدَةِ “المَسِيرَةِ”، وَمِنْهَا إِلَى “الرِّمَالِ”، تِلْكَ المَجَلَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَحْرًا مِنَ الأَوْرَاقِ الصَّفْرَاءِ، تَحْمِلُ فِي أَعْمَاقِهَا عِطْرَ الحِبْرِ القَدِيمِ وَهَمْسَاتِ الكُتَّابِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ. قَضَى فِيهَا عَامَيْنِ يَغُوصُ فِي الأَعْمَاقِ، كَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ لُؤْلُؤَةِ الحَقِيقَةِ المَفْقُودَةِ بَيْنَ أَمْوَاجِ السَّرْدِ.
وَفِي الإمَارَاتِ، حَيْثُ الأَبْرَاجُ تَخْتَرِقُ السَّحَابَ وَالأَحْلَامُ تَتَّسِعُ كَالصَّحْرَاءِ، كَتَبَ فِي “أَصْدَاء فَلَكِيَّةٍ”، مُرَاسِلًا يَتَرَاقَصُ بَيْنَ أَضْوَاءِ الخَلِيجِ الذَّهَبِيَّةِ وَهَمْسَاتِ اللَّيْلِ. كَانَ يَرْسُمُ الأَخْبَارَ بِرِيشَةِ الشَّاعِرِ، وَكَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الخَبَرَ العَابِرَ قَدْ يَصْبِحُ قَصِيدَةً إِذَا مَا لَامَسَ الرُّوحَ. ثُمَّ عَادَ، لَا لِيَنَامَ عَلَى وِسَادَةِ المَاضِي، بَلْ لِيُتَوِّجَ رِحْلَتَهُ عَامًا كَامِلًا فِي “الفَوَاصِلِ” اللُّبْنَانِيَّةِ، رَئِيسًا لِتَحْرِيرِهَا، يُوَقِّعُ عَلَى الصَّفَحَاتِ كَمَا يُوَقِّعُ الفَنَّانُ عَلَى لَوْحَتِهِ، تَارِكًا بَيْنَ السُّطُورِ بَصْمَةَ رُوحِهِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ أَحَدًا.
لَمْ تَكُنْ مَسِيرَتُهُ حَبِيسَةَ الأَقْلَامِ وَالوَرَقِ، بَلِ امْتَدَّتْ إِلَى دَهَالِيزِ الإعْلَامِ التِّجَارِيِّ، حَيْثُ أَدَارَ مَبِيعَاتِ “شَبَابْلِك”، كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرَى الحَقِيقَةَ مِنْ كُلِّ نَوَافِذِهَا، أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ تَتَحَوَّلُ الكَلِمَةُ إِلَى سِلْعَةٍ دُونَ أَنْ تَفْقِدَ رُوحَهَا. ثُمَّ دَخَلَ أَرْوِقَةَ الوِزَارَةِ، فَصَارَ شَاهِدًا عَلَى مَا لَا يُقَالُ، مُحَرِّرًا لِلْوَقَائِعِ الَّتِي لَا تُنْشَرُ، كَاتِبًا لِلْأَسْرَارِ الَّتِي تَظَلُّ حَبِيسَةَ الأَدْرَاجِ.
أَمَّا الشَّاشَةُ فَكَانَتْ لَهُ مَوْطِئَ قَدَمٍ آخَرَ، حَيْثُ أَطَلَّ مِنْ قَنَاةِ “دْرَامَا”، ثُمَّ مِنْ “نُورِ الشَّامِ”، كَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ ضَوْءٍ جَدِيدٍ يُضِيءُ بِهِ الدُّرُوبَ القَدِيمَةَ. مَا زَالَ هُنَاكَ، بَيْنَ كَوَالِيسِ البَرَامِجِ وَالتَّقَارِيرِ، يُؤْمِنُ بِأَنَّ خَلْفَ كُلِّ فِقْرَةٍ إخْبَارِيَّةٍ قِصَّةٌ إِنْسَانِيَّةٌ تَنْتَظِرُ مَنْ يَرْوِيهَا.
س1:
– مِنْ خِلَالِ خِبْرَتِكَ فِي مَجَالِ العَمَلِ الإعْلَامِيِّ وَالإعْدَادِ البَرَامِجِيِّ، بِرَأْيِكَ مَا هِيَ المَرَاحِلُ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا فِكْرَةُ البَرْنَامِجِ قَبْلَ أَنْ تَرَى النُّورَ؟
– تُعَدُّ وَظِيفَةُ مُعِدِّ البَرَامِجِ التِلْفِزْيُونِيَّةِ مِنَ الوَظَائِفِ الهَامَّةِ فِي صِنَاعَةِ الإِعْلَامِ، كَمَا أَنَّهَا بِمَثَابَةِ العَمُودِ الفَقَرِيِّ وَالأَسَاسِيِّ الَّذِي تُبْنَى عَلَيهِ العَنَاصِرُ المُكَمِّلَةُ مِثْلَ التَّقْدِيمِ وَالتَّصْوِيرِ وَالدِّيكُورِ وَالإِخْرَاجِ… نَعْتَبِرُهُم بِمَثَابَةِ (الإِكْسِسْوَارِ المُكَمِّلِ لَهُ)، وَكَمَا تَعْلَمِينَ فَإِنَّ هَذِهِ العَنَاصِرَ تُحَوِّلُ مَا كُتِبَ عَلَى الوَرَقِ إِلَى وَاقِعٍ مَرْئِيٍّ، فَالإِعْدَادُ عَمَلِيَّةُ مُعَالَجَةٍ فَنِّيَّةٍ لِفِكْرَةٍ أَوْ مَوْضُوعٍ أَوْ نَصٍّ. كَمَا أَنَّ أَهَمَّ مَرَاحِلِ الإِعْدَادِ البَرَامَجِيِّ هُوَ البَحْثُ عَنِ الفِكْرَةِ وَإِضَافَةُ قِيمَةٍ مُضَافَةٍ لِهَذِهِ الفِكْرَةِ؛ لِيَسْتَهْوِيَهَا الجُمُورُ وَيَكُونَ تَقْدِيمُهَا جَيِّدًا، وَتُتْرِكَ صَدًى لَدَى السَّادَةِ المُشَاهِدِينَ.
س 2 :
كَيْفَ تُوَازِنُ بَيْنَ المَضْمُونِ الجَادِّ وَجَاذِبِيَّةِ التَّقْدِيمِ؟
–
عِنْدَمَا يَمْتَلِكُ الإِنْسَانُ أَنَاقَةً فِي إِيصَالِ الفِكْرَةِ مَعَ رَبْطِهَا بِشِيَاقَةِ الإِعْدَادِ، تَكُونُ أَكْثَرَ عُمْقًا وَوَصُولًا إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَفَاعَلَ مَعَهَا الجُمْهُورُ بِشَكْلٍ أَكْبَرَ.
س3:
كَيْفَ تَرَى تَأْثِيرَ السُّوشيَال مِيدْيَا عَلَى الْإِعْلَامِ التَّقْلِيدِيِّ؟ هَلْ هِيَ تَهْدِيدٌ أَمْ فُرْصَةٌ؟ وَهَلْ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِعْدَادِ لِبَرْنَامَجٍ تِلْفِزْيُونِيٍّ وَالْمَحْتوىَ الرَّقْمِيِّ؟
في الحَقيقةِ هُنَاكَ دَوْرٌ مُتَصَاعِدٌ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ غَيْرِ التَّقْلِيدِيَّةِ، بِالْمُقَابِلِ تُوَاجِهُ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ التَّقْلِيدِيَّةُ تَحَدِّيَاتٍ وُجُودِيَّةً مُنْذُ زَمَنِ ثَوْرَةِ تِكْنُولُوجِيَا الْمَعْلُومَاتِ وَمَا تَبِعَهَا مِنِ انْتِشَارٍ وَاسِعٍ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الرَّقْمِيَّةِ أَيْضًا. حَيْثُ بَدَأَ مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ عَدَدُ مُتَابِعِي الصُّحُفِ وَالْمَطْبُوعَاتِ وَالْقَنَوَاتِ فِي تَرَاجُعٍ مَلْحُوظٍ، بَيْنَمَا الْأَجْيَالُ الشَّابَّةُ فِي إِقْبَالٍ عَلَى الْمَحْتوى الرَّقْمِيِّ وَالْإِخْبَارِيِّ الْقَصِيرِ وَالسَّرْدِ الْمَعْلُومَاتِيِّ. بِرَأْيِي هِيَ الْيَوْمَ أَسْرَعُ وَأَقْوى، لَكِنْ تَبْقَى وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ التَّقْلِيدِيَّةُ هِيَ الدَّسِمَةُ وَالْمَوْثُوقِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.
س4:
مَا هِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي تَحْرِصُ عَلَى تَوْصِيلِهَا مِنْ خِلَالِ عَمَلِكَ الْإِعْلَامِيِّ..؟
في الحَقيقةِ كُلُّ إعلاميٍّ يُحاوِلُ بِناءَ عُلاقةٍ إيجابيَّةٍ مَعَ الجمهورِ مِن خِلالِ إظْهارِ قيمَةٍ ثقافيَّةٍ تَحْمِلُ مَضمونَ الِابتِكارِ بِطَريقَةٍ عَفويَّةٍ، وَبِناءِ سُمْعَةٍ قَويَّةٍ، وَتَرْكِ أَثَرٍ طَيِّبٍ لَدَى الجمهورِ الحاليِّ وَالأجيالِ الشابَّةِ القادِمَةِ، مِن خِلالِ مَجْهودِهِ وَمُتابَعَتِهِ وَمُحاوَلَتِهِ تَقْديمَ كُلِّ ما هُوَ جَديدٌ، وَكُلِّ ما يُلْهِمُ الأُسْرَةَ وَالمجْتَمَعَ.
س5:
مَا هُوَ المَشْرُوعُ أَوِ الحُلْمُ الذِي لَا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ التَّنْفِيذِ..؟
– أَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ مَشْرُوعٍ إِعْلَامِيٍّ لِصَحَفِيٍّ يَرْسُمُ رُؤْيَتَهُ وَيَحْمِلُ رِسَالَةً هَادِفَةً لَهَا أَثَرًا فِي المُجْتَمَعِ. حُلْمُ كُلِّ إِعْلَامِيٍّ أَنْ يَتْرُكَ بَصْمَةً جَمِيلَةً وَيَرْتَقِيَ بِأَحْلَامِهِ حَتَّى تَصِلَ لِلْمُجْتَمَعِ القَادِمِ.
س 6:
كَلِمَةٌ أَخِيرَةٌ لِصَحِيفَةِ “الرُّوَّادْ نِيُوز” الدَّوْلِيَّةِ؟
كُلُّ الشُّكْرِ لِصَحِيفَةِ “الرُّوَّادْ نِيُوز” الدَّوْلِيَّةِ عَلَى هَذَا اللِّقَاءِ الجَمِيلِ، وَطَبْعًا الشُّكْرُ المَوْصُولُ لِلدُّكْتُورِ الإِعْلَامِيِّ أَشْرَفْ كَمَال، رَئِيسِ تَحْرِيرِ الصَّحِيفَةِ. وَلِلْإِعْلَامِيَّةِ الرَّاقِيَةِ سَلْمَى صُوفَانَاتِي عَلَى هَذَا الإِعْلَامِ الرَّائِعِ. وَأَتَمَنَّى لَكُمْ دَوَامَ التَّأَلُّقِ فِي سَمَاءِ الإِعلام .