غُرُوبُ الحَمَوِيّ: “أُجَسِّدُ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ وَأَرْسُمُ مَمْلَكَةَ الحُبِّ عَلَى الخَشَبِ”
بقلم : سلمى صوفاناتي
في زَمَنٍ تَتَسَارَعُ فِيهِ التِّقْنِيَّاتُ، وَتُهَمَّشُ فِيهِ المِهَنُ اليَدَوِيَّةُ، يَبْقَى لِفَنِّ الحَرْقِ عَلَى الخَشَبِ سِحْرُهُ الخَاصُّ. فَهٰذِهِ الحِرْفَةُ القَدِيمَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى النَّحْتِ بِالنَّارِ، بَلْ تَمْتَدُّ لِلتَّعْبِيرِ العَمِيقِ عَنِ الرُّوحِ وَالفِكْرِ، وَتَمْزِجُ بَيْنَ التَّكْوِينِ البَصَرِيِّ وَالتَّأَمُّلِ الفَلْسَفِيِّ.
وَمِنْ مُحَافَظَةِ السَّلَمِيَّةِ فِي سُورِيَا، تَطُلُّ الفَنَّانَةُ التَّشْكِيلِيَّةُ غُرُوبُ الحَمَوِيّ بِتَجْرِبَةٍ فَنِّيَّةٍ فَرِيدَةٍ، اسْتَطَاعَتْ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ تُعِيدَ لِهٰذَا الفَنِّ طَابِعَهُ الإِنْسَانِيَّ وَالرَّمْزِيَّ، حَيْثُ تَتَقَاطَعُ المَفَاهِيمُ الوُجُودِيَّةُ مَعَ رُؤًى أُنْثَوِيَّةٍ حَسَّاسَةٍ، وَيُصْبِحُ الخَشَبُ صَفْحَةً تُكْتَبُ عَلَيْهَا الحِكَايَةُ بِلُغَةِ النَّارِ.
فِي هٰذَا الحِوَارِ، تَكْشِفُ غُرُوبُ الحَمَوِيّ عَنْ مَكْنُونَاتِ تَجْرِبَتِهَا، وَعَنِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الشَّكْلِ وَالرُّوحِ، وَالفِكْرَةِ وَالزَّمَنِ، وَالمَرْأَةِ كَرَمْزٍ فَنِّيٍّ وَشِعْرِيٍّ عَمِيقٍ.
س: مَا الفِكْرَةُ الأَسَاسِيَّةُ الَّتِي تَقُودُ أَعْمَالَكِ الفَنِّيَّةَ؟
غُرُوب: أُؤْمِنُ أَنَّ الفَنَّ وَسِيلَةٌ لِرُؤْيَةِ مَا لَا يُرَى. أُحَاوِلُ دَائِمًا أَنْ أُجَسِّدَ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ، وَأَنْ أَرْبِطَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ مَنْطِقَتَيْنِ مُنْفَصِلَتَيْنِ مِنَ الوُجُوهِ. هٰذَا الرَّبْطُ هُوَ مَا أَبْحَثُ عَنْهُ، وَأَجْعَلُهُ نُقْطَةَ انْطِلَاقٍ لِرُؤْيَةٍ بَعِيدَةِ المَدَى، وَكَأَنَّنِي أُحَاوِلُ أَنْ أُوقِفَ لَحْظَةً مِنَ الرُّوحِ دَاخِلَ لَوْحَةٍ.
س: هَلْ تَحْمِلُ لَوْحَاتُكِ رَسَائِلَ إِنْسَانِيَّةً مُحَدَّدَةً؟
غُرُوب: نَعَمْ، بِالتَّأْكِيدِ. الإِبْدَاعُ وَالخَيَالُ فِي أَعْمَالِي لَا يَأْتِيَانِ لِمُجَرَّدِ الإِبْهَارِ، بَلْ لِتَوْصِيلِ مَفَاهِيمَ إِنْسَانِيَّةٍ عَمِيقَةٍ. أُؤْمِنُ أَنَّ الفَنَّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُلَامِسَ جَوْهَرَ الإِنْسَانِ، وَيُوقِظَ فِيهِ أَشْيَاءَ نَائِمَةً، كَالْحُبِّ، وَالتَّكَامُلِ، وَالسَّعْيِ نَحْوَ الذَّاتِ العُلْيَا.
س: تَحَدَّثْتِ عَنْ “مَمْلَكَةِ الحُبِّ” كَرَمْزٍ، كَيْفَ تُجَسِّدِينَ هٰذَا المَفْهُومَ؟
غُرُوب: كُلُّ إِنْسَانٍ، حِينَ يَقْتَرِبُ مِنِ اكْتِمَالِ ذَاتِهِ، يُصْبِحُ جُزْءًا مِنْ مَمْلَكَةِ الحُبِّ. هٰذِهِ المَمْلَكَةُ لَيْسَتْ مَكَانًا، بَلْ حَالَةً وُجُودِيَّةً. كُلُّ لَحْظَةِ صِدْقٍ، كُلُّ تَعْبِيرٍ فَنِّيٍّ حَقِيقِيٍّ، هُوَ خُطْوَةٌ نَحْوَ هٰذِهِ المَمْلَكَةِ.
س: رَمْزُ السَّاعَةِ مُتَكَرِّرٌ فِي لَوْحَاتِكِ، مَا دَلَالَتُهُ؟
غُرُوب: السَّاعَةُ فِي أَعْمَالِي لَيْسَتْ فَقَطْ لِقِيَاسِ الزَّمَنِ، بَلْ لِقِيَاسِ اللَّحْظَةِ الحَقِيقِيَّةِ لِلْوُجُودِ. أَحْيَانًا تَكُونُ السَّاعَةُ مِفْتَاحًا، أَوْ كَلِمَةً، أَوْ كِتَابًا، أَوْ حَتَّى لَحْظَةَ إِدْرَاكٍ. اللَّحْظَةُ الَّتِي تُدْرِكُ فِيهَا أَنَّكَ “أَنْتَ”، هِيَ لَحْظَةُ الحَيَاةِ الحَقِيقِيَّةِ، وَلِذٰلِكَ أَرْسُمُهَا دَائِمًا بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ.
س: كَيْفَ تَصِفِينَ عِلَاقَتَكِ بِالأُنْثَى كَرَمْزٍ فِي فَنِّكِ؟
غُرُوب: الأُنْثَى بِالنِّسْبَةِ لِي لَيْسَتْ مَوْضُوعًا بَلْ جَوْهَرًا. أَرْسُمُهَا لِأَنَّهَا تُمَثِّلُ الشَّغَفَ، وَالعِشْقَ، وَالارْتِقَاءَ. فِيهَا ذٰلِكَ السَّعْيُ الدَّائِمُ نَحْوَ الكَمَالِ، وَهِيَ تُمَثِّلُ حُضُورَ الرُّوحِ فِي أَبْهَى صُوَرِهَا.
س: وَمَاذَا عَنْ حُضُورِ الرَّجُلِ؟
غُرُوب: الرَّجُلُ وَالأُنْثَى كِلَاهُمَا مَوْجُودَانِ دَاخِلِي كَإِنْسَانَةٍ، وَلَكِنْ حِينَ أُمَارِسُ الفَنَّ، أَتَعَامَلُ مَعَ الإِنْسَانِ الكَامِلِ. مَنْ يَرْسُمُ دَاخِلِي هُوَ “الكُلُّ”، يَدٌ وَاحِدَةٌ تُمَثِّلُ الوَعْيَ الشَّامِلَ، لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، بَلْ تَبْحَثُ عَنِ التَّوَازُنِ وَالصِّدْقِ.
س: مَا العَلَاقَةُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالخَيَالِ فِي أَعْمَالِكِ؟
غُرُوب: الخَيَالُ هُوَ امْتِدَادٌ لِلرُّوحِ، وَالأُنْثَى – بِمَا تَحْمِلُهُ مِنْ شَاعِرِيَّةٍ – تَتَجَلَّى بِشَكْلٍ أَعْمَقَ فِي ذِهْنِ الرَّجُلِ عَبْرَ هٰذَا الخَيَالِ. وَلِذٰلِكَ رُبَّمَا نَرَاهَا حَاضِرَةً دَوْمًا، أَقْرَبَ مَا تَكُونُ إِلَى الرَّمْزِ، إِلَى الصُّورَةِ، إِلَى الحُلْمِ الَّذِي لَا يَنْطَفِئُ.
خِتَامَاً :
فِي أَعْمَالِ غُرُوبِ الحَمَوِيّ، لَا يُسْتَخْدَمُ الخَشَبُ كَخَامَةٍ جَامِدَةٍ، بَلْ يَتَحَوَّلُ إِلَى جَسَدٍ يَتَنَفَّسُ، وَإِلَى مَسْرَحٍ تَتَجَلَّى عَلَيْهِ رُمُوزُ الحَيَاةِ. وَمِنْ خِلَالِ الحَرْقِ بِالنَّارِ، تُعِيدُ تَشْكِيلَ المَفَاهِيمِ، وَتُضِيءُ مَنَاطِقَ مُعْتِمَةً مِنَ الوَعْيِ الإِنْسَانِيِّ.
حِوَارُنَا مَعَهَا لَمْ يَكُنْ فَقَطْ حَدِيثًا عَنِ الفَنِّ، بَلْ رِحْلَةً إِلَى عُمْقِ الذَّاتِ، إِلَى مَنْطِقَةٍ لَا يَصِلُهَا إِلَّا مَنْ يَرَى الفَنَّ كَطَرِيقٍ نَحْوَ التَّوَازُنِ وَالاكْتِمَالِ.
وَهٰكَذَا، نُغَادِرُ عَالَمَ غُرُوب مَحْمُولِينَ بِلَحْظَةِ تَأَمُّلٍ، وَسُؤَالٍ مَفْتُوحٍ: كَيْفَ نَرْسُمُ نَحْنُ ذَوَاتَنَا فِي هٰذَا الزَّمَنِ المُزْدَحِمِ؟