السبت : 2025/07/19 - آخر تحديث الساعة : 09:05:03ص
صحيفة الرواد نيوز  - alrouwadnews
  • الرئيسية
  • الافتتاحية
  • أخبار عربية وعالمية
    انفجار ضخم يهز ساحة الأمويين في دمشق إثر غارات إسرائيلية عنيفة

    انفجار ضخم يهز ساحة الأمويين في دمشق إثر غارات إسرائيلية عنيفة

    السيسي يستقبل اليوم السيد“لي تشيانج”رئيس مجلس الدولة الصيني …

    السيسي يستقبل اليوم السيد“لي تشيانج”رئيس مجلس الدولة الصيني …

    منتسبو دار الفنون ” القطار ” في رحلة ثقافية ترفيهية الى الجزائر .

    منتسبو دار الفنون ” القطار ” في رحلة ثقافية ترفيهية الى الجزائر .

    انطلاق التجمع الاول لاختيار المواهب

    انطلاق التجمع الاول لاختيار المواهب

    37 طلب ترشح فردي في اليوم الرابع لانتخابات “الشيوخ”.. ولا قوائم حتى الآن

    37 طلب ترشح فردي في اليوم الرابع لانتخابات “الشيوخ”.. ولا قوائم حتى الآن

    مجهول انتحل صفة ماركو روبيو باستخدام الذكاء الاصطناعي

    مجهول انتحل صفة ماركو روبيو باستخدام الذكاء الاصطناعي

    الشرطة الإسبانية تكشف سبب حادث وفاة جوتا

    الشرطة الإسبانية تكشف سبب حادث وفاة جوتا

    السيسي يلتقي بمدير الطاقة النووية الروسية …

    السيسي يلتقي بمدير الطاقة النووية الروسية …

    مهرجان جابر عثمان للطفولة فى دورته الأولي 

    مهرجان جابر عثمان للطفولة فى دورته الأولي 

  • الأدب
    • الشعر
      • الشعر التقليدي
      • الشعر الحديث
      • الشعر النبطي
    • النثر
      • ق.ق.ج
      • القصة القصيرة
      • الرواية
      • الخاطرة
      • مقالات أدبية
  • أعلام وأعمال
    • أعلام رائدة
    • أعمال خالدة
    • أعمال أدبية أجنبية
    • أعمال مترجمة
  • دراسات نقدية
  • عالم المرأة
  • فنون
    • عالم الفن
    • التصوير الضوئي
    • الرسم
    • الموسيقا
    • النحت
  • المزيد
    • بحوث ودراسات
      أثر ظاهرة سكان ” الكمبوند ” على المجتمع ٠..

      الفرد الأناني

      علماء يكشفون كواليس النهاية المرعبة لـ «رمسيس الثالث»

      علماء يكشفون كواليس النهاية المرعبة لـ «رمسيس الثالث»

      محمد علي باشا وطائفة الخبازين …

      محمد علي باشا وطائفة الخبازين …

      عبد الكريم الحلو يكتب رؤية تحليلية لشعر علي الإمارة

      عبد الكريم الحلو يكتب رؤية تحليلية لشعر علي الإمارة

      الدكتور عبدالكريم الحلو يكتب مهاد القصيدة من الفكرة إلى التكوين

      الدكتور عبدالكريم الحلو يكتب مهاد القصيدة من الفكرة إلى التكوين

      رويده وباكيرا والفنّ الجميل

      رويده وباكيرا والفنّ الجميل

      طريق الخلاص وإعادة هيكلة البناء

      طريق الخلاص وإعادة هيكلة البناء

      تيميمون لؤلؤة حمراء في عقد الصّحراء الجزائريّة

      تيميمون لؤلؤة حمراء في عقد الصّحراء الجزائريّة

      المشط من عاجِ كليوباترا إلى أدراج اليوم : أثر ناعم عبر الحضارات

      المشط من عاجِ كليوباترا إلى أدراج اليوم : أثر ناعم عبر الحضارات

      Trending Tags

      • حوارات وتحقيقات
        أَشْرَفَ كَمَالٌ يُناقش مادة « الطلاق بيد المحكمة » …

        أَشْرَفَ كَمَالٌ يُناقش مادة « الطلاق بيد المحكمة » …

        عبّاسُ الحاوي: الثَّباتُ لا يَعني أنْ تَكونَ في مَكانٍ واحِدٍ

        عبّاسُ الحاوي: الثَّباتُ لا يَعني أنْ تَكونَ في مَكانٍ واحِدٍ

        غُرُوبُ الحَمَوِيّ: “أُجَسِّدُ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ وَأَرْسُمُ مَمْلَكَةَ الحُبِّ عَلَى الخَشَبِ”

        غُرُوبُ الحَمَوِيّ: “أُجَسِّدُ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ وَأَرْسُمُ مَمْلَكَةَ الحُبِّ عَلَى الخَشَبِ”

        فرديناند المصري في نادي الرواية الأولى..رواية السفر والاحتمالات الضائعة. 

        فرديناند المصري في نادي الرواية الأولى..رواية السفر والاحتمالات الضائعة. 

        صفاء الجنابي .. إبداع وتميز لا تتسع له السطور …

        صفاء الجنابي .. إبداع وتميز لا تتسع له السطور …

        سالم الصقور يكتب في نادي الرواية الأولى: “الرواية تخرج من الداخل حين تفرض نفسها”

        سالم الصقور يكتب في نادي الرواية الأولى: “الرواية تخرج من الداخل حين تفرض نفسها”

        بلقيس المرهبي:حين يتحوّل الألم إلى أمل …

        بلقيس المرهبي:حين يتحوّل الألم إلى أمل …

        مصر تفوز ببطولة العالم لسلاح السيف الرواد نيوز.

        مصر تفوز ببطولة العالم لسلاح السيف الرواد نيوز.

        محمد الأحمدي يكشف أسرار رواية رؤى في لقاء أدبي مميز الجزء الأول

        محمد الأحمدي يكشف أسرار رواية رؤى في لقاء أدبي مميز الجزء الثاني

      • عالم الرياضة
        بطولة الكاراتيه المقامة بنادى زهور الرياضي 

        بطولة الكاراتيه المقامة بنادى زهور الرياضي 

        تونس تفوز للمرة الرابعة بطولة   العالم للملاكمة العربية

        تونس تفوز للمرة الرابعة بطولة  العالم للملاكمة العربية

        الكابتن حسن شحاتة ولد في مثل هذا اليوم منذ 78 سنة

        الكابتن حسن شحاتة ولد في مثل هذا اليوم منذ 78 سنة

        مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 7-5-2025 والقنوات الناقلة

        مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 7-5-2025 والقنوات الناقلة

        الاتحاد الليبي الكاراتيه يصدر قرارات تعيين امين عام الاتحاد ، امين الصندوق 

        الاتحاد الليبي الكاراتيه يصدر قرارات تعيين امين عام الاتحاد ، امين الصندوق 

        ترنيب الدوري المصري قبل  انطلاق الجولة الخامسة اشتعال القمة   

        ترنيب الدوري المصري قبل انطلاق الجولة الخامسة اشتعال القمة  

        مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 6 مايو والقنوات الناقله

        مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 6 مايو والقنوات الناقله

        تشيلسي يقهر ليفربول بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي

        تشيلسي يقهر ليفربول بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي

        الأهلي يمطر شباك حرس الحدود …

        الأهلي يمطر شباك حرس الحدود …

        Trending Tags

        • مجلة الرواد
        • PDF-Book
        • مكتبة الفيديو
        • فعاليات وأنشطة
        • الصحة والجمال
        • الكاريكاتير
        • بطاقة دعوة
        • منوعات
        • من نحن
      • البحث المتقدم
      • كل الشكر
      • مسابقات
      • Register
      • Login
      • الرئيسية
      • الافتتاحية
      • أخبار عربية وعالمية
        انفجار ضخم يهز ساحة الأمويين في دمشق إثر غارات إسرائيلية عنيفة

        انفجار ضخم يهز ساحة الأمويين في دمشق إثر غارات إسرائيلية عنيفة

        السيسي يستقبل اليوم السيد“لي تشيانج”رئيس مجلس الدولة الصيني …

        السيسي يستقبل اليوم السيد“لي تشيانج”رئيس مجلس الدولة الصيني …

        منتسبو دار الفنون ” القطار ” في رحلة ثقافية ترفيهية الى الجزائر .

        منتسبو دار الفنون ” القطار ” في رحلة ثقافية ترفيهية الى الجزائر .

        انطلاق التجمع الاول لاختيار المواهب

        انطلاق التجمع الاول لاختيار المواهب

        37 طلب ترشح فردي في اليوم الرابع لانتخابات “الشيوخ”.. ولا قوائم حتى الآن

        37 طلب ترشح فردي في اليوم الرابع لانتخابات “الشيوخ”.. ولا قوائم حتى الآن

        مجهول انتحل صفة ماركو روبيو باستخدام الذكاء الاصطناعي

        مجهول انتحل صفة ماركو روبيو باستخدام الذكاء الاصطناعي

        الشرطة الإسبانية تكشف سبب حادث وفاة جوتا

        الشرطة الإسبانية تكشف سبب حادث وفاة جوتا

        السيسي يلتقي بمدير الطاقة النووية الروسية …

        السيسي يلتقي بمدير الطاقة النووية الروسية …

        مهرجان جابر عثمان للطفولة فى دورته الأولي 

        مهرجان جابر عثمان للطفولة فى دورته الأولي 

      • الأدب
        • الشعر
          • الشعر التقليدي
          • الشعر الحديث
          • الشعر النبطي
        • النثر
          • ق.ق.ج
          • القصة القصيرة
          • الرواية
          • الخاطرة
          • مقالات أدبية
      • أعلام وأعمال
        • أعلام رائدة
        • أعمال خالدة
        • أعمال أدبية أجنبية
        • أعمال مترجمة
      • دراسات نقدية
      • عالم المرأة
      • فنون
        • عالم الفن
        • التصوير الضوئي
        • الرسم
        • الموسيقا
        • النحت
      • المزيد
        • بحوث ودراسات
          أثر ظاهرة سكان ” الكمبوند ” على المجتمع ٠..

          الفرد الأناني

          علماء يكشفون كواليس النهاية المرعبة لـ «رمسيس الثالث»

          علماء يكشفون كواليس النهاية المرعبة لـ «رمسيس الثالث»

          محمد علي باشا وطائفة الخبازين …

          محمد علي باشا وطائفة الخبازين …

          عبد الكريم الحلو يكتب رؤية تحليلية لشعر علي الإمارة

          عبد الكريم الحلو يكتب رؤية تحليلية لشعر علي الإمارة

          الدكتور عبدالكريم الحلو يكتب مهاد القصيدة من الفكرة إلى التكوين

          الدكتور عبدالكريم الحلو يكتب مهاد القصيدة من الفكرة إلى التكوين

          رويده وباكيرا والفنّ الجميل

          رويده وباكيرا والفنّ الجميل

          طريق الخلاص وإعادة هيكلة البناء

          طريق الخلاص وإعادة هيكلة البناء

          تيميمون لؤلؤة حمراء في عقد الصّحراء الجزائريّة

          تيميمون لؤلؤة حمراء في عقد الصّحراء الجزائريّة

          المشط من عاجِ كليوباترا إلى أدراج اليوم : أثر ناعم عبر الحضارات

          المشط من عاجِ كليوباترا إلى أدراج اليوم : أثر ناعم عبر الحضارات

          Trending Tags

          • حوارات وتحقيقات
            أَشْرَفَ كَمَالٌ يُناقش مادة « الطلاق بيد المحكمة » …

            أَشْرَفَ كَمَالٌ يُناقش مادة « الطلاق بيد المحكمة » …

            عبّاسُ الحاوي: الثَّباتُ لا يَعني أنْ تَكونَ في مَكانٍ واحِدٍ

            عبّاسُ الحاوي: الثَّباتُ لا يَعني أنْ تَكونَ في مَكانٍ واحِدٍ

            غُرُوبُ الحَمَوِيّ: “أُجَسِّدُ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ وَأَرْسُمُ مَمْلَكَةَ الحُبِّ عَلَى الخَشَبِ”

            غُرُوبُ الحَمَوِيّ: “أُجَسِّدُ الفِكْرَةَ بِصُورَةٍ مَرْئِيَّةٍ وَأَرْسُمُ مَمْلَكَةَ الحُبِّ عَلَى الخَشَبِ”

            فرديناند المصري في نادي الرواية الأولى..رواية السفر والاحتمالات الضائعة. 

            فرديناند المصري في نادي الرواية الأولى..رواية السفر والاحتمالات الضائعة. 

            صفاء الجنابي .. إبداع وتميز لا تتسع له السطور …

            صفاء الجنابي .. إبداع وتميز لا تتسع له السطور …

            سالم الصقور يكتب في نادي الرواية الأولى: “الرواية تخرج من الداخل حين تفرض نفسها”

            سالم الصقور يكتب في نادي الرواية الأولى: “الرواية تخرج من الداخل حين تفرض نفسها”

            بلقيس المرهبي:حين يتحوّل الألم إلى أمل …

            بلقيس المرهبي:حين يتحوّل الألم إلى أمل …

            مصر تفوز ببطولة العالم لسلاح السيف الرواد نيوز.

            مصر تفوز ببطولة العالم لسلاح السيف الرواد نيوز.

            محمد الأحمدي يكشف أسرار رواية رؤى في لقاء أدبي مميز الجزء الأول

            محمد الأحمدي يكشف أسرار رواية رؤى في لقاء أدبي مميز الجزء الثاني

          • عالم الرياضة
            بطولة الكاراتيه المقامة بنادى زهور الرياضي 

            بطولة الكاراتيه المقامة بنادى زهور الرياضي 

            تونس تفوز للمرة الرابعة بطولة   العالم للملاكمة العربية

            تونس تفوز للمرة الرابعة بطولة  العالم للملاكمة العربية

            الكابتن حسن شحاتة ولد في مثل هذا اليوم منذ 78 سنة

            الكابتن حسن شحاتة ولد في مثل هذا اليوم منذ 78 سنة

            مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 7-5-2025 والقنوات الناقلة

            مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 7-5-2025 والقنوات الناقلة

            الاتحاد الليبي الكاراتيه يصدر قرارات تعيين امين عام الاتحاد ، امين الصندوق 

            الاتحاد الليبي الكاراتيه يصدر قرارات تعيين امين عام الاتحاد ، امين الصندوق 

            ترنيب الدوري المصري قبل  انطلاق الجولة الخامسة اشتعال القمة   

            ترنيب الدوري المصري قبل انطلاق الجولة الخامسة اشتعال القمة  

            مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 6 مايو والقنوات الناقله

            مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 6 مايو والقنوات الناقله

            تشيلسي يقهر ليفربول بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي

            تشيلسي يقهر ليفربول بثلاثية في قمة الدوري الإنجليزي

            الأهلي يمطر شباك حرس الحدود …

            الأهلي يمطر شباك حرس الحدود …

            Trending Tags

            • مجلة الرواد
            • PDF-Book
            • مكتبة الفيديو
            • فعاليات وأنشطة
            • الصحة والجمال
            • الكاريكاتير
            • بطاقة دعوة
            • منوعات
            • من نحن
          • البحث المتقدم
          • كل الشكر
          • مسابقات
          • Register
          • Login
          صحيفة الرواد نيوز  - alrouwadnews

          السّعيد بوطاجين: حارس المجاز في زمن الرّداءة …

          by شيماء محمد
          2025/06/24 - 04:17ص الثلاثاء
          in الافتتاحية
          0 0
          السّعيد بوطاجين: حارس المجاز في زمن الرّداءة …
          0
          SHARES
          36
          VIEWS
          Share on Twitter

          السّعيد بوطاجين: حارس المجاز في زمن الرّداءة — قراءة سوسيولوجية، ثقافية، وفلسفية في تجربة مثقف !

           بقلم … بوخالفة كريم باحث في علم الإجتماع – الجزائر

           

          في جزائر ما بعدّ الإستقلال، حيث الأمل صار ينقلب تدريجيًا إلى خيبة، وحيث الدّولة البيروقراطية تجهض الإمكانات وتُحوِّل الكفاءات إلى صمت مجلجل، ينهض إسم السّعيد بوطاجين لا كمجرّد ناقد أدبي، بل كصوت يصرخ في وجه الخواء الرّمزي، والموت البطيء للمعنى، والإنسحاق اليومي للإنسان داخل ماكينة الرّداءة. لم يكن مشروع بوطاجين الكتابي مجرّد تمرين لغوي، بل كان موقفًا وجوديًا، تمرّدًا فكريًا، وصرخة ممزوجة بالسّخرية السّوداء والتّأمل الصّوفي، في زمن إختلطت فيه اللّغة بالتّواطؤ، والكلمة بالخيانة.

          في زمن تهدّلت فيه القيم وتقلّص فيه ظلّ النّخبة، ينهض إسم السّعيد بوطاجين بوصفه صوتًا متفردًا، لا فقط في حقل النّقد الأدبي، بل في عمق الحقل الثّقافي والسّوسيولوجي الجزائري والعربي. فالرّجل لم يكن ناقدًا في المعنى التّقليدي، بل مثقفًا عضويًا بالمعنى الغرامشي للكلمة؛ مثقفًا يقاوم الرّداءة بالسّخرية، والإبتذال بالبلاغة، والنّسيان بالذّاكرة، والزّيف بالصّدق القاسي. من خلال أعماله، يتبدّى مشروعه الفكري بوصفه دعوة للتّمرد على البلادة المعمّمة، وصرخة ضد القبح الرّمزي والثّقافي في مشهد بات يتواطأ مع الرّداءة.

          ///في جوهر المشروع: الحنين إلى المعنى ومرارة الوعي

          وُلدَ السُعيد بوطاجين من رحم الخيبة، وتربى في كنف الهامش، لكنّه جعل من هذا الهامش منبرًا لصوت مركزي لا يُزاح. لقد أدرك مبكرًا أن الوعي في مجتمع مُنهك كالمجتمع الجزائري ليس نعمة بل نقمة، وأن “الكتابة في العالم العربي تهمة لا تسقط بالتّقادم”، كما قال. لذا إنصبّ مشروعه على تفكيك البنى الرمزية للسّلطة، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو لغوية.

          كان بوطاجين إبنًا للحبر الموجوع، ومثقفًا يتحرك في جغرافيا الرّماد، يكتب بلغة مجازية عالية، وكأنّه يركب المجاز ليهرب من “رقابة المستنقع”، حسب تعبيره. لكنّ الهروب لم يكن إنسحابًا، بل كان مراوغةً إبداعية؛ فالرّجل كتب لينتقم لا لينجو، إنتقامًا جماليًا من “عصابة النّحو الرّديء”، و”الكتبة الممسوخين”، و”المؤسّسات الّتي تنتج الجهالة كما تنتج معامل العلكة”.

          السّعيد بوطاجين: الكاتب الّذي يكتب بالمجاز والوجع مرآة مثقف يُكفّر عن جراح المعنى

           

          في صمت الذّاكرة الجزائرية، حين تخفت الأصوات ويعلو الضّجيج، يبقى صوت السّعيد بوطاجين إستثناءً. إنّه لا يكتب كي يُعجب، ولا يُجامل كي يُقبل. يكتب لأن الوجع في داخله لا يسكت، لأنّ اللّغة تنزف من الجراح، ولأنّ الذّاكرة لا تُشفى من التّواطؤ. إنّه من أولئك الّذين إختاروا العُزلة عن السّيرك الثّقافي، ليس كبرياءً، بل وفاءً لمعنى لا يُساوم عليه.

          من خلال مشروعه المتشعب بين النّقد الأدبي، والكتابة السّردية، والتّأملات الثّقافية، يتجلى السّعيد بوطاجين بوصفه شاهدًا على زمن تُشوه فيه اللّغة، وتُدفن فيه الذّائقة، وتُهان فيه الحقيقة بإسم الحداثة المزيفة.

          السّعيد بوطاجين: المثقف الجريح بين العُزلة والكتابة كفعل مقاومة!

          في زمنٍ صاخب بالألقاب الزّائفة والوجوه المُستعارة، يظهر السّعيد بوطاجين كمثقف إستثنائي رفض الإنصياع للرّداءة، وإختار أنّ يصوغ وجوده خارج النّسق. لم يكن مجرّد كاتب أو ناقد، بل كان ضميرًا يقظًا ظلّ يسائل اللّغة والهوية والفكر من موقع الجرح لا من موقع الإمتياز. لقد قرّر مبكرًا أن يدفع ثمن وعيه، أنّ يكُون شاهداً لا مهرّجًا، وأن يعيش خارج كواليس الجوائز والبروتوكولات.

          بوطاجين لم يكن إبن المؤسّسة، بل خصمًا لها. لم يهادنها ولم يتعاطَ معها وفق منطق المقايضة الثّقافية، بل نظر إليها كنسق مهيمن لا يحتفي بالكفاءة بقدر ما يحتفي بالتّملّق. لهذا، إختار العُزلة، لا كخيار نرجسي بل كإحتجاج وجودي ضد زيف المشهد. فكما أنّ المثقف الأصيل لا يُؤتمن في حضرة السّلطة، فإن بوطاجين ظلّ دائمًا في موقع اللاّطمأنينة، حيث لا يُخاف عليه، بل يُخاف منه.

          الكتابة عنده ليست أداة تجميل بل وسيلة تفكيك. لم يكتب ليُطرب، بل ليجرح. نصوصه تنتمي إلى طقس النّزيف لا التّرفيه، لأنّه آمن أنّ اللّغة لا يجب أن تكون معقمة في واقع ملوّث، بل متمرّدة، قاسية، وغير قابلة للتّدجين. لذلك، لم تكن نصوصه مجرّد إنتاج أدبي، بل كانت حفريات في وجع الإنسان والمكان، وتجلٍّ لفكر ناقد يتقاطع فيه الجمالي مع السّياسي، والفلسفي مع الإنساني.

          وإنّ كانت العُزلة ملاذه الأخير، فقد كانت أيضًا منفىً إختياريًا يقيه من الحضور الزّائف، ومن “الثّقافة” حين تتحول إلى دُكان. لقد إختار الصّمت، لا ليفقد صوته، بل ليستعيده خارج ضوضاء الجوائز الرّسمية والمنصات المنمقة. لقد رفض أنّ يكون شاهد زور في حفل رديء، وأن يتحوّل إسمه إلى سلعة تُروّج في معارض الكُتب حيث يتم وأد المعنى في ردهات العلاقات العامة.

          إنّ السّعيد بوطاجين لا يمكن إختزاله في صفة “كاتب مهمّ”، بل هو حالة ثقافية، مشروع مقاومة، وعلامة من علامات الإنتماء إلى قلق السّؤال لا طمأنينة الجواب. هو المثقف الّذي يحمل أناه مثل صليب، ويكتب كما لو أنّه يُصلب مع كل نصّ. ولذلك، فإنّ إعادة قراءة تجربته اليوم ليست مجرّد وفاء لذّكرى، بل وفاء للمعنى ذاته. لقد علّمنا أنّ الثّقافة الحقيقية لا تُكافأ، وأن من يكتب للزّمن لا يحتاج إلى التّصفيق.

           

          السّعيد بوطاجين: المُثقف الّذي آمن أنّ الكتابة جرح لا يُلتئم

          في زمنٍ تتكاثر فيه الأقنعة وتُستبدل الكلمات بالنّوايا المُزيفة، يبرز السّعيد بوطاجين كأحد الأصوات النّادرة الّتي آثرت أن تحرس المعنى في زمن خيانة اللّغة. لم يكن رجل مجاملة أو تواطؤ مع النّسق، بل كان كاتبًا ينحت حروفه كما تُنحت الشّواهد على قبور الحقيقة.

           

          في الجزائر الّتي إستبدلت في كثير من الأحيان رجُل الفِكر برجُل الولاء، كان بوطاجين مثقفًا من طينة أولئك الّذين رفضوا أن يكونوا شهود زور على خراب الوطن والإنسان. لم يكن يكتب ليقُال عنه “كاتب كبير”، بل كان يكتب لأنّ الكتابة عنده كانت شكلًا من أشكال النّضال، ولأنّ الصّمت في حضرة الرّداءة خيانة.

          كان يؤمن أنّ الكتابة فعل وجودي، لا مهنة. كان قارئًا شغوفًا، ناقدًا شرسًا، ومفكرًا يؤمن بأنّ الأدب ينبغي أنّ يربك لا أنّ يُسلّي، أنّ يوقظ لا أنّ ينوّم. في نصوصه إختلط الألم بالسّخرية، والمرارة بالحكمة، والذّاتي بالجمعي، كأنّ كل جملة كتبها كانت تحاول إنقاذ ما تبقى من المعنى.

          لم يركض خلف الجوائز، ولم يصادق الوزارات، ولم يبدّل لغته في ممرات السّلطة. ظلّ وفيًّا لقلقه، لجرحه، لخيبة جيل كان يؤمن أنّ الثّقافة يمكن أنّ تكون حصنًا منيعًا ضد الإنحدار. وحين إختار العُزلة، لم يكن ذلك هروبًا، بل كان إحتقارًا لبلاط الثّقافة الرّسمية الّتي لا تُكافئ إلا الخُضوع.

          هو المثقف الّذي لم يُهادن، ولم يتنازل، ولم يُشارك في حفلات الزّيف الجماعي. إختار أنّ يكُونَ في الظّل، لكنّه ظلّ مشعًا بما يكفي ليحرج الضّوء. ترك لنا نصوصًا لا تهدهد الوعي بل تهزّه، ولا تطمئن القارئ بل تُربكه، كما ينبغي لكل كتابة حقيقية أن تفعل.

          وفي زمنٍ صار فيه القبح قاعدة، يكون بوطاجين إستثناءً نبيلًا، ووصية ثقافية علينا أن نُعيد إكتشافها لا فقط تكريمها. هو المثقف الّذي يكتب كما يحلم، ويحلم كما يتألّم، ويتألّم كما يُعلّم. ولذلك فقط، سيبقى حيًّا في كل من لم يَخْن بعدُ اللّغة.

          حين تكُونَ الكتابة صادقة، تصبح فعلًا وجوديًا يرقى إلى مقام الشّهادة. والسّعيد بوطاجين كتب كمن يشهد على عصر، وعلى خذلان، وعلى بلدٍ كثيرًا ما خان مثقفيه الأصيلين. لكنّه لم ينتقم. بل كتب، وكتب، وترك الجُرح مفتوحًا كي نعرف أن الجراح الحقيقية لا تلتئم بالكلمات، بل تُورَّث.

           في جغرافيا الذّاكرة: من الألم اللّغوي إلى الكتابة كخلاص ..

          يرى السّعيد بوطاجين أنّ اللّغة ليست أداة، بل وطن داخلي. أنّ تكتب، يعني أن تؤسّس لذاكرة بديلة، أنّ تحفر في صخر النّسيان لتستخرج ما بقي من ماء المعنى. وفي كل نصّ له، يُعلن أن اللّغة ليست محايدة، بل خائنة أحيانًا، مأجورة أحيانًا، مُقدّسة أحيانًا. لكنّه يؤمن رغم ذلك أنّ الكتابة تظلّ الشّكل الأنبل للعقاب الذّاتي، للغُفران المؤجل، وللمقاومة الرّمزية.

          اللّغة عند بوطاجين ليست مجرّد وسيلة تعبير، بل كيان وجودي يحمل في داخله خريطة الجراح، ونبوءات الهزائم، ورائحة البلاد المقتولة. إنّه كاتب يؤمن أنّ المجاز هو ما تبقى لنا في زمن الواقع المبتذل.

           الكتابة كوجع وجودي: ضد التّواطؤ، مع الوجدان!

          قال بوطاجين ذات مرة: “الكتابة تهمة لا تسقط بالتّقادم”. وهي ليست مجرّد عبارة بل إعلان فلسفي عن مشروعه الفكري. لقد كان يرى الكتابة ضربًا من الجلد الذّاتي، منفى داخلي يقيه من القتل الرّمزي، ووسيلة للمقاومة الصّامتة في عالم يهرول إلى السّطحية. إنّه يكتب، لا لينجو، بل لينتقم: من المؤسّسات الّتي تنتج الجهالة، من مثقفي البلاط، من الأكاديميا الممسوخة، من الإعلام المتواطئ، ومن وطن لا يُجيد سوى التّنكر لأبنائه اللامعين.

           

          عن كتبه: حيث الوجع نقد، والسّخرية فن !

           

          كلّ كتاب عند بوطاجين هو جرح مفتوح، ووثيقة إتهام ثقافي، لكنّه أيضًا دعوة إلى إسترداد الإنسان من فخاخ التّشييء.

          1/ فن الكراهية: بيان في هجاء الرّداءة 

          تعد كتاباته ” بيانًا هجائيًا بإمتياز، ضد نمط مثقف البلاط، وضد الخطابات المتحجرة الّتي أفرغت الثّقافة من بعدها التّحريري. في هذا الكتاب، يرسم بوطاجين صورة بانورامية لمثقفين فقدوا وظيفتهم النّقدية، وإكتفوا بلعب دور شهود الزّور في حفلات التّخلف العام. بأسلوب ساخر، تراجيدي أحيانًا، يكتب عن “ثقافة تقف على عكاز”، وعن “المناضلين السابقين الّذين صاروا خبراء في تجميل القبح”.

          في كتابه الأشهر “السّادة الأنذال وكتابه أعوذ باللّه ، يخرج السّعيد بوطاجين عن مسارات النّقد الأدبي الكلاسيكي، ليُعلن حربًا رمزية ضد الرّداءة الّتي غزت الفضاء الثّقافي. لكن “الكراهية” هنا ليست حقدًا، بل رفضًا وجوديًا للزّيف، إنتفاضة على الّذين باعوا أقلامهم في أسواق النّفاق، وصاروا يسوّقون للرّداءة بإسم الذوق العام.

          الكتاب ينطوي على أسلوب ساخر موجوع، تراجيدي خفي، يفضح فيه آليات إنتاج الثّقافة المشوّهة، ويستعرض فيه طيفًا واسعًا من “الأشباه”: أشباه الكُتّاب، أشباه النّقاد، وأشباه المثقفين. إنّه ليس كتابًا في النّقد فحسب، بل مرآة سوداء لواقع عربي لم يعد يحتمل المرايا.

          2/ لا شيءفي كتبه سوى الوجع: الكتابة كجغرافيا شخصية للغُربة

          كتبه تشعر أنها ” مرآة داخلية لكاتب يتصارع مع الذّاكرة، واللّغة، والموت الرّمزي. إنّه كاتب يتجاوز التّصنيف: في نصّ تأملي، وسيرة مضادة، وبيان فلسفي مضمر. فيه يكتب عن وجع المثقف في زمن لا يُحب المثقفين، وعن “الكتابة كجلد للذات”، وعن الجزائر كوطن تحوّل إلى إستعارة مجروحة.

          هاته الكتب يمكن قراءته بوصفها سيرة ذاتية معكوسة، لا يحكي فيها الكاتب تفاصيل حياته بل يكتب خريطة وجدانه. هنا، الوجع ليس فقط ذاتيًا، بل جمعيًّا. يتحدث عن الخيبة، عن الوطن الّذي لا يعترف بأبنائه، عن المبدع الّذي يُقصى لأنه صادق، وعن اللّغة الّتي لا تُنصف صاحبها.

           كتبه فيها تأملات تلامس التّصوف، ولغة تنوس بين النّثر الشّعري والإعتراف الفلسفي. إنّه من النّصوص النّادرة الّتي يمكن تصنيفها داخل أدب المقاومة الثّقافية، حيث يضع الكاتب نفسه في موقع العارف، لا بالمعلومات، بل بالخسارات.

          3/ كتبه تشبه. رائحة التّين: من المعيش إلى الوجودي

          في كتبه تشتم “رائحة التّين وأقصد بها رائحة الأصالة”، يعيد السّعيد بوطاجين الإعتبار لما هو بسيط وعميق في آن واحد فتكتشف في أعماق كتبه، الجدّة، الطّين، رائحة البيت، الذّكريات المائية. ولكنّه لا يكتبها كنوستالجيا بريئة، بل كحكاية مضمرة عن صراع الذّاكرة مع الحداثة المتوحشة، عن إنكسارات الإنسان حين يُجبر على مغادرة المعنى.

          السّرد هنا يخفي بين طياته فلسفة محلية، أنثروبولوجيا التّفاصيل، وسوسيولوجيا الحنين. فالتّين ليس مجرّد ثمرة، بل إستعارة عن وطن فقد طعمه، عن علاقة مفككة بين الإنسان وأرضه.

          وفي “كتبه ” يقدم نصًا سرديًا ذا طابع صوفي وجودي، حيث يتقاطع المحلي مع الكوني، والحميمي مع التّاريخي، في سرد يتغذى من الفقد ويُقاوم بالنّص. النّص هنا ليس مجرّد وسيلة للحكي، بل أداة للنجاة من السّقوط في العدم، ومن الغرق في “الهزيمة اليومية”

           

           4_ كتبه ضد العتمة: هي تنير درب الحائرين. كل كتاب له يتضمن مقالات فكرية وأدبية، يجمع فيها بين نقد الواقع الأدبي والوجودي، وبين التّأملات الفلسفية الّتي تُلامس حدود الميتافيزيقي، في سخرية وجودية نادرة.

           ضد تزييف الوعي: المثقف الّذي لم يبع ظله !!

          يرفض السّعيد بوطاجين أنّ يكون مثقفًا موظفًا، أو تابعًا لأي سلطة، سواء كانت سياسية أو ثقافية. في مقالاته، يهاجم المؤسّسات التّعليمية الّتي أنتجت “حشودًا من المتعلمين بلا ثقافة”، والجوائز الّتي توزع كالغنائم، والكتابة الّتي أصبحت “صناعة علاقات لا صناعة أفكار”

          في تصوراته، لا يمكن للمثقف أنّ يكون حياديًا أمام الرّداءة، تمامًا كما لا يمكن للشّاعر أنّ يصمت أمام القبح. إنّنا أمام رجل يكتب ليؤكد أنّ الثّقافة ليست مهنة، بل قدر. وأن الإلتزام الحقيقي لا يكون بالشّعارات، بل بالأسلوب، بالنّزاهة، وبالقدرة على أن تبقى واقفًا في حضرة الإنهيار.

          بلاغة الرّفض: عندما تتحوّل اللّغة إلى ساحة مقاومة

          تميزت نصوص بوطاجين ببلاغة مجازية عالية، لكنّها لم تكن زخرفًا لغويًا، بل درعًا ضد الإبتذال. إستخدم المجاز كسلاح، والسّخرية كتكتيك، والنّص كمتراس ضد رمزية الإستسلام. لقد فهم أن الرّداءة لا تُحارب بالخطابة، بل بجمال مضاد، وأن المعنى لا يُستعاد إلا إذا واجهنا اللّغة المُنحطة بلغة أرفع منها. وهنا تتجلى عبقريته: فهو لا يفضح فقط، بل يبني. لا يهدم القبح، بل يعيد تشكيل الجمال، في نصوص تبدو أدبية لكنّها محمّلة بسوسيولوجيا الذّاكرة، وأنثروبولوجيا الهوية، ونقد حضاري دفين.

           

          المُثقف بين الهامش والواجب: نقد المؤسّسة وموت النّخبة أو المُثقف كضمير: بوطاجين ضد الرّداءة والتّمثيل الفارغ!!!

          يُعيد السّعيد بوطاجين تعريف دور المثقف في مجتمع مأزوم؛ ليس كمجرّد ناقل للمعرفة، بل كمؤتمن على المعنى. يذكّرنا بالمثقف الّذي يحمل جروحه على ظهره، ويمشي بها في الأسواق. وقد قال مرة: “الكتابة ليست مهنة، إنها لعنة”. تلك “اللّعنة” هي ما يُبقيه حيًّا، في عالم يموت فيه الجميع وهم يبتسمون للكاميرا.

          في فكره دعوة ضمنية لمثقف جديد، لا يبرر الواقع، بل يشتبك معه. مثقف يملك شجاعة السّؤال، وجرأة الإنحياز للمعنى في زمن أمتهن الرموز. مثقف لا يخاف من فقدان الإمتياز، لأنّه لم يطلبه يومًا.

           بين أنثروبولوجيا اللّغة وسوسيولوجيا الذّاكرة!

          من يقرأ بوطاجين يلمس عمقًا أنثروبولوجيًا في فهمه للثّقافة الجزائرية: يقرأ اللّهجات، الأمثال، طقوس الموت والحياة، كبنية رمزية متشابكة مع السّلطة، والدّين، والهوية. في كتبه إستدعاء دائم للذّاكرة الجمعية، للزّوايا، للحارات القديمة، للآباء الّذين طحنتهم الدّولة البيروقراطية.

          كما يظهر البُعد السّوسيولوجي حين يُحلل إنحدار التّعليم، ترييف المدينة، و”أنسنة الفساد”، بل وحتى “تشييء الإنسان”، في نصوص تمزج بين النّثر النّقدي والشّعر الإجتماعي، بحدس فيبري وذاكرة دوركايمية وإنّ كان ذلك غير معلن.

          يطارد السّعيد بوطاجين مفهوم المُثقف كما أراده غرامشي، لا كمفكر منعزل، بل كضمير يقف في السّاحة. لكنّه مُثقف موجوع، يكتب وهو يعرف أنّ صوته لا يُسمع، وأنّ لُغته لا تُترجم في السّياسات. وهذا ما منحه طابع التّراجيديا النّبيلة: هو مثقف ضد كل شيء، حتى ضد ذاته حين تهمّ بالتّصالح مع الرّداءة. يرى أنّ النّخبة الّتي لا تُؤلم لا تُجدي، وأنّ الكتابة الّتي لا تُقلق القارئ لا تستحق الورق.

          يُعيد السّعيد بوطاجين تعريف دور المُثقف في مجتمع مأزوم؛ ليس كمجرّد ناقل للمعرفة، بل كمؤتمن على المعنى. في كتاباته، ينهض المُثقف الحقيقي بوصفه الضّمير الّذي لا يرضىٰ بالتّصفيق ولا يخشى العُزلة. إنّه يؤمن أنّ الثّقافة هي مرآة المُجتمع، فإذا كانت الثّقافة منحطة، فلن تفرز إلا جهازًا إداريًا ومنظومة إجتماعية منحطة.

          من هنا، يُمكن القول إنّ بوطاجين قدَّم مشروعًا مضادًا للثّقافة الرّسمية، وهو مشروع أخلاقي بقدر ما هو جمالي. لقد رفض كل أشكال التّواطؤ، وتمسك ببلاغة الرّفض، وكتب على حواف النّار دون أن يسقط في الشّعارات.

          //نحو “بلاغة الرّفض”: مشروع ثقافي غير مكتمل!!!

          مشروع السّعيد بوطاجين هو ما يمكن تسميته بـ”بلاغة الرّفض”. إنّه لا يكتب ليروق، بل ليصدم. لا يهادن في اللّغة ولا في المواقف. يعيد الإعتبار للبلاغة بإعتبارها شكلًا من أشكال المقاومة، ويفضح الرّداءة لا بالشّتم، بل بالمجاز الحاد، والسّخرية المُوجعة، والتّحليل العاري.

          في زمن تغيب فيه القامات، وتُستبدل المعرفة بالعرض، يبقى بوطاجين واحدًا من آخر المُثقفين الُذين يؤمنون بأنّ الكتابة قدر، وأنّ المُثقف ليس ترفًا بل ضرورة، وأنّ النّص هو ساحة معركة لا منصة إستعراض.

          /////أنثروبولوجيا الذّات وسوسيولوجيا اللّغة: تفكيك المجتمع من خلال النّص !

          في نصوصه، تحضر الجزائر ككائن جريح: بعاداتها، لهجاتها، مقاهيها، مدرسها، ومقابرها. لا شيء عابر عند بوطاجين. كلّ صُورة، كلّ مفردة، كلّ إستعارة هي مفتاح لفهم عطب حضاري ما. في وصفه لإنحدار التّعليم، لا يكتفي بالسّرد، بل يقرأ بنية إنتاج الجهل، ويُفكك لغة السّلطة، ويعيد للغة وظيفتها الأولى: كشف العورات.

          أما المدينة عنده فهي ليست فضاء عمرانيًا، بل فضاء رمزي، ينزاح من المدنية إلى التّرييف، من الحركية إلى التّكلّس، من العمق إلى الواجهة. وهذا ما يجعل منه محللًا حضريًا بإمتياز، حتى وإنّ كان لا يسمي ذلك نظريًا.

          /////خاتمة: تكريم لا يُطلب بل يُستحق !

           السّعيد بوطاجين، لا يزال يكتب ولا زال قلمه نابضاً كما أنا تكريّم الدّكتور السّعيد بوطاجين لا يكون فقط بنشر صورته أو ترديد عناوين كتبه، بل بقراءة نصوصه كوثائق ثقافية أدبية و سوسيولوجية عن زمننا، وبالإصغاء إلى آلامه كإعترافات مُثقف ظلّ واقفًا في وجه الهشاشة، مسكونًا بحب بلد لا يُكافئ أبناءه الأذكياء إلا بالخذلان.

          إنّه المُثقف الّذي علّمنا أنّ البّلاغة ليست ترفًا، وأنّ السّخرية يمكن أنّ تكون أداة مقاومة، وأنّ الكتابة، حين تكون نزيهة، تصبح أخطر من كلّ جيوش العالم.

          حين نقرأ السّعيد بوطاجين، لا نقرأ كاتبًا فقط، بل نقرأ خريطة وجعٍ وذكاءٍ ومرارةٍ جزائرية. نقرأ تجربة رجل ظلّ يحفر في الصّخر، يكتب على جدران الذّاكرة، يعلن الحرب على القبح، ويُقدّس اللّغة رغم خيانتها.

          إنّه لا يطلب تكريمًا، لأنه يعلم أنّ المجتمعات الّتي تُهين مفكريها، لا تملك ترف الإعتذار. لكنّه يستحق أن يُقرأ، لأنّ نصوصه مرآة صدئة في زمن التّجميل، وصرخة بلاغية في وجه اللاّمعنى. تكريم السّعيد بوطاجين ليس بتأبينه بل بإعادة قراءته، وبالإنحياز معه إلى جهة الكلمة الصّادقة، مهما كانت جارحة.

          السّعيد بوطاجين لم يكن فقط ناقدًا أدبيًا، بل كان شاعرًا في نثره، وسوسيولوجيًا في تأملاته، وأنثروبولوجيًا في رصده لتفاصيل الحياة الجزائرية. وهو قبل كلّ شيء، إنسانٌ يكتب ضد التّيار، يحمل المعنى على ظهره، ويصر على أنّ اللّغة، مهما خانتنا، تظلّ آخر معقل من معاقل المقاومة .

          تكريم بوطاجين لا يكون بالثّناء الجاف، بل بإستعادة نصوصه كنصوص مقاومة. لقد كان نبيًّا لغويًا في زمن إختنق فيه المجاز، ومثقفًا ساخطًا على كلّ إحتفال بالشّكل …

          كتاباته هي فعل أخلاقي وجمالي في آن، وهي ضد الرّداءة كما هي ضد التّصالح مع القبح.

          في زمن إختفى فيه المُثقف الصّادق، وإندمج فيه الكثيرون في السّوق الرّمزية للسّلطة والمال، تبقى سيرة بوطاجين سيرة إنسان لم يتنازل عن جوهره. هو الحارس الأخير للمجاز، والخاسر الجميل الّذي بقي واقفًا وسط الحطام.

          تكريمه … واجب ثقافي، لكن الأهم هو أنّ نقرأه كما أراد: لا بحثًا عن المُتعة، بل عن الشّك، عن الحرج، عن السّؤال الّذي لا إجابة له. هو من كتب بدمه لا بحبره، ومن خسر كلّ شيء إلا اللّغة.

          تكريم السّعيد بوطاجين لا يكون بالصور ولا بالجوائز، بل بإعادة قراءته، بصوتٍ هادئ وسط صخب النّسيان. هو من أولئك الّذين لم يطلبوا الإعتراف، بل طلبوا الصّدق فقط. وحين يُكرَّم مُثقف من هذا الطّراز، فإن الأمّة تُكفّر عن جريمة رمزية بحق ذاتها.

          السّعيد بوطاجين لم يكن فقط ناقدًا، بل كان “حارس مجاز”، ومفكرًا لا يريد لأحد أنّ يُصفق له بل أن يفهمه. كتب ضد الرّداءة، وضد السّطحية، وضد إختفاء الإنسان في زحام اللّغة. وفي كلّ كتاب له، يترك وراءه وصية: لا تبيعوا المعنى… حتى ولو جاع النص …

          Next Post
          احتفال مدينة حلب بمكانتها التّاريخية الثّقافية

          احتفال مدينة حلب بمكانتها التّاريخية الثّقافية

          الأرشيف

          التصنيفات

          • الرئيسية
          • الافتتاحية
          • أخبار عربية وعالمية
          • الأدب
            • الشعر
              • الشعر التقليدي
              • الشعر الحديث
              • الشعر النبطي
            • النثر
              • ق.ق.ج
              • القصة القصيرة
              • الرواية
              • الخاطرة
              • مقالات أدبية
          • أعلام وأعمال
            • أعلام رائدة
            • أعمال خالدة
            • أعمال أدبية أجنبية
            • أعمال مترجمة
          • دراسات نقدية
          • عالم المرأة
          • فنون
            • عالم الفن
            • التصوير الضوئي
            • الرسم
            • الموسيقا
            • النحت
          • المزيد
            • بحوث ودراسات
            • حوارات وتحقيقات
            • عالم الرياضة
            • مجلة الرواد
            • PDF-Book
            • مكتبة الفيديو
            • فعاليات وأنشطة
            • الصحة والجمال
            • الكاريكاتير
            • بطاقة دعوة
            • منوعات
            • من نحن
          • البحث المتقدم
          • كل الشكر
          • مسابقات

          © 2025 JNews - Premium WordPress news & magazine theme by Jegtheme.

          Welcome Back!

          Login to your account below

          Forgotten Password?

          Retrieve your password

          Please enter your username or email address to reset your password.

          Log In