“أَهْلًا يَا دُكْتُور”.. رَائِعَةُ الكُومِيدْيَا الَّتِي خَطَفَتْ أَنْفَاسَ الزَّمَنِ!
بقلم : سلمى صوفاناتي
فِي عَالَمٍ مُمْتَلِئٍ بِالتَّنَاقُضَاتِ حَيْثُ يَمْتَزِجُ الضَّحْكُ بِالدُّمُوعِ، وَالكُومِيدْيَا بِالنَّقْدِ الاجْتِمَاعِيِّ اللَّاذِعِ، تُطَلُّ عَلَيْنَا مَسْرَحِيَّةُ “أَهْلًا يَا دُكْتُور” كَتَحْفَةٍ فَنِّيَّةٍ لَا تُنْسَى، تَزَيَّنَتْ بِلَمَسَاتِ ثُنَائِيِّ الكُومِيدْيَا الأُسْطُورِيِّ “سَمِيرِ غَانِمِ” وَ”جُورْج سِيدهِمِ”، لِتَرْسُمَ لَوْحَةً مِنَ السُّخْرِيَةِ الْمُرَّةِ وَالحِكْمَةِ العَمِيقَةِ، مُغَلَّفَةً بِغِلَافٍ مِنَ الفُكَاهَةِ الَّتِي تَلَامِسُ القَلْبَ قَبْلَ العَقْلِ.
“القِصَّةُ: صِرَاعُ الأَخْلَاقِ فِي عَالَمِ الطِّبِّ”
فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا القَاهِرَةِ الصَّاخِبَةِ، حَيْثُ تَتَصَارَعُ القِيَمُ تَحْتَ وَطْأَةِ المَادِّيَّةِ وَالانْتِهَازِيَّةِ، نَلْتَقِي بِالطَّبِيبَيْنِ “نَادِرٍ” وَ”الزِّيْنَاتِي خَلِيفَةَ”، وَهُمَا قُطْبَانِ مُتَنَاقِضَانِ كَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ!
– “نَادِرٌ” (سَمِيرُ غَانِمٍ): ابْنُ النُّفُوذِ وَالمَالِ، يَتَّكِئُ عَلَى مِظَلَّةِ وَالِدِهِ “عَمِيدِ الكُلِّيَّةِ” لِيَعْبُرَ طَرِيقَ الثَّرَاءِ بِلَا ضَمِيرٍ! طَبِيبٌ بِلَا رِسَالَةٍ، يَبِيعُ الوَهْمَ لِلْمَرْضَى، وَيَسْتَغِلُّ حَاجَتَهُمْ فِي سُوقٍ يُتَبَارَى فِيهَا التُّجَّارُ بِأَرْدِيَةِ المِهَنِ الشَّرِيفَةِ!
– “الزِّيْنَاتِي” (جُورْجُ سِيّدهِمْ): الفَارِسُ الأَخِيرُ فِي مَمْلَكَةِ الإِنْسَانِيَّةِ! قَضَى سَبْعَ سِنِينَ فِي قُرَى الصَّعِيدِ، يَشْفِي الجُرُوحَ وَيُخَفِّفُ الآلَامَ، مُؤْمِنًا بِقَسَمِ “أَبُقْرَاطَ” كَأَنَّهُ إِنْجِيلٌ مُقَدَّسٌ.
تَدُورُ الأَحْدَاثُ فِي دَوَّامَةٍ مِنَ المَوَاقِفِ المُضْحِكَةِ المُبْكِيَةِ، حَيْثُ يَصْطَدِمُ المِثَالِيُّ بِالوَاقِعِيِّ، وَالطُّمُوحُ النَّبِيلُ بِالطَّمَعِ العَارِي، فِي سَرْدٍ يَعْرِّي أَمْرَاضَ المُجْتَمَعِ بِأُسْلُوبٍ لَا يَخْلُو مِنْ جُرْعَةٍ دَسِمَةٍ مِنَ الذَّكَاءِ!
“الأَبْطَالُ: وُجُوهٌ خَلَّدَهَا الزَّمَانُ”
– “سَمِيرُ غَانِمَ”: سَاحِرُ الكُومِيدْيَا الَّذِي أَبْدَعَ فِي تَجْسِيدِ شَخْصِيَّةِ “نَادِرٍ”، لِيُعْطِيَهَا رُوحًا تَتَرَاوَحُ بَيْنَ البَشَاعَةِ وَالسِّحْرِ!
– “جُورْجُ سِيدُهُمْ”: بِبَرَاعَتِهِ الفَذَّةِ، حَوَّلَ “الزِّيْنَاتِي” إِلَى رَمْزٍ لِلطَّيِّبَةِ المَقْهُورَةِ، فَكَانَ أَدَاؤُهُ دَرْسًا فِي كَيْفَ تُجَسَّدُ المَأْسَاةُ بِضَحْكَةٍ!
– “دَلَالُ عَبْدِ العَزِيزِ”: المُمَرِّضَةُ الَّتِي أَضَافَتْ بَرِيقًا أُنْثَوِيًّا عَلَى العَمَلِ، وَأَصْبَحَتْ لَاحِقًا شَرِيكَةَ حَيَاةِ سَمِيرِ غَانِمَ، وَكَأَنَّ الفَنَّ قَادَ القَلْبَ إِلَى القَلْبِ!
– بِالإضَافَةِ إِلَى كَوْكَبَةٍ مِنَ المُمَثِّلِينَ العِظَامِ مِثْلَ “مَجْدِي كَامِلٍ” وَ”إِبْرَاهِيمَ نَصْرٍ”، اللذِينَ أَضَافا لَمَسَاتِهِمْ المُمَيَّزَةَ إِلَى هَذَا الصَّرْحِ الفَنِّيِّ.
“خَلْفَ الكَوَالِيسِ: أَسْرَارٌ وَأَلْغَازٌ”
– “فَيْصَلُ نَدَى”: الكَاتِبُ العَبْقَرِيُّ الَّذِي صَاغَ الحِوَارَ بِسَلَاسَةٍ تُثِيرُ الدَّهْشَةَ، حَتَّى إِنَّهُ هَزَأَ مِنَ ارْتِجَالِ الثُّنَائِيِّ قَائِلًا: “حَبَسْتُهُمَا فِي غُرْفَةٍ حَتَّى يَتَعَلَّمَا النَّصَّ!”
– “حَسَنُ عَبْدِ السَّلَامِ”: المُخْرِجُ الَّذِي نَسَجَ الخُيُوطَ بِمَهَارَةٍ، فَجَعَلَ مِنَ المَسْرَحِيَّةِ عَرْضًا لَا يُشْبِهُ سِوَاهُ!
– “سَنَةُ الإِنْتَاجِ” 1980 (أَوْ 1981)، فِي حِقْبَةٍ كَانَتْ مِصْرُ تَشْهَدُ تَحَوُّلَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةً عَمِيقَةً، فَجَاءَتِ المَسْرَحِيَّةُ كَمِرْآةٍ صَادِقَةٍ تَعْكِسُ الوَاقِعَ بِلَا زَيْفٍ!
“لَمَسَاتٌ مِنَ السِّحْرِ وَالنِّهَايَةِ”
– “آخِرُ لِقَاءٍ لِلثُّنَائِيِّ”: كَانَتْ هَذِهِ المَسْرَحِيَّةُ الوِدَاعَ الأَخِيرَ لِاجْتِمَاعِ غَانِمَ وَسِيدْهِمْ عَلَى المَسْرَحِ، فَخَلَّدَتْ ذِكْرَاهُمَا مَعًا فِي ذَاكِرَةِ الفَنِّ!
– “انْتِقَادَاتُ الارتِجَالِ”: رَغْمَ اِتِّهَامِهَا بِالخُرُوجِ عَنِ النَّصِّ أَحْيَانًا، إِلَّا أَنَّ هَذَا الارتِجَالَ أَصْبَحَ جُزْءًا مِنْ سِحْرِهَا، كَأَنَّمَا الضَّحْكُ الحَقِيقِيُّ لَا يُخَطَّطُ لَهُ!
“أَهْلًا يَا دُكْتُور”.. لَيْسَتْ مَجَرَّدَ مَسْرَحِيَّةٍ، بَلْ هِيَ رِحْلَةٌ إِلَى أَعْمَاقِ الإِنْسَانِ، حَيْثُ الضَّحْكُ يُخْفِي دَمْعًا، وَالمُزَاحُ يَحْمِلُ حِكْمَةً، وَالكُومِيدْيَا تَكُونُ أَحْيَانًا أَصْدَقَ تَعْبِيرًا عَنِ الوَاقِعِ مِنْ أَيِّ دِرَامَا! هُنَا.. حَيْثُ يُمْسِكُ الفَنُّ بِيَدِكَ لِيَقُودَكَ إِلَى القَاعِ، ثُمَّ يَرْفَعُكَ إِلَى القِمَّةِ، ضَاحِكًا كُلَّ الطَّرِيقِ!
Discussion about this post