“جفّتِ الدّموع”.. سيمفونية العشق الّتي رقصت على أوتار الزّمن الجميل ..
بقلم: سلمى صوفاناتي
في صمتِ الليلِ، حيثُ تهمسُ الذّكرياتُ بأحرفٍ من نورٍ ووجعٍ، يطلُّ فيلمُ “جفّتِ الدّموعُ” كقلبٍ نازفٍ يحملُ في طياتهِ كلَّ أسرارِ الحبِّ والضّياع. إنَّه ليسَ مجرّدَ شريطٍ سينمائيٍّ، بل هو قصيدةٌ كتبها القدرُ بمدادِ العيونِ الدّامية، لوحةٌ فنيّةٌ تتنفّسُ بالألمِ والجمال، وتُذكّرنا بأنَّ الحبَّ هو آخرُ سحرٍ باقٍ في هذا العالم.
“مأساةٌ تُغنّيها النّجومُ تحتَ سماءِ القاهرة” :
في زقاقٍ ضيّقٍ، حيثُ يعانقُ الضّوءُ الظّلَّ، وُلدتْ “هُدى” من رحمِ الألم.. نجاة الصّغيرةُ، الّتي حوّلتْ عينيها إلى بحرينِ من الأسى، تحملُ في كلِّ نظرةٍ قصّةً لم تُروَ، وفي كلِّ دمعةٍ حبٌّ لم يكتمل. إنّها المرأةُ الّتي صارتْ رمزاً لكلِّ قلبٍ عاشقٍ سُحقَ تحتَ أقدامِ الزّمنِ القاسي.
أمّا “سامي كرم”، فهو ليسَ رجلاً عاديّاً.. إنّه الحلمُ الّذي يطارده الواقعُ، العاشقُ الّذي يحملُ قيودَ المجتمعِ في يدٍ ووردةً ذابلةً في اليدِ الأخرى. محمود ياسين جسّدَ الألمَ بكلِّ براعةٍ، فجعلنا نرى في عينيهِ كلَّ الرّجالِ الّذينَ ضحّوا بالحبِّ على مذبحِ الواجب.
“عندليبُ العشقِ يغنّي على أشلاءِ القلب” :
ما هذا الفيلمُ إلاّ تحفةٌ تذوبُ فيها الموسيقى معَ الدّموع، وتتلاقى الأنفاسُ معَ الأنغام. إنّه العندليبُ الّذي يغنّي على جمرِ الفراق، فيجعلُ من كلِّ لحظةٍ مأساةً تُقرأ بالدّمِ لا بالحبر.
– “ما استغناش عنك بالدنيا”: نشيدٌ يُذكّرنا بأنّ الحبَّ هو الوطنُ الوحيدُ الّذي لا نستطيعُ الهروبَ منه.
– “حمْدَ لله على السلامة” : كلماتٌ تخرجُ من القلبِ لتعانقَ السّماءَ، وكأنّها وداعٌ لا ينتهي.
– “إلى حبيبي” : رسالةٌ لم تصلْ، حُفرتْ في الذّاكرةِ كندبةٍ لا تندمل.
هذه الأغاني لم تكنْ أصواتاً.. بل كانتْ دموعاً تدفّقتْ من عيونِ النّجومِ لتروي ظمأَ القلوبِ العطشى.
“لماذا لا نزالُ نبكي على هذا الفيلم بعد كلِّ هذه السّنين؟”
– لأنّه يلامسُ الجرحَ الخالدَ فينا.. جرحَ الحبِّ الّذي لم يكتمل.
– لأنّه يُذكّرنا بأنّ الدّموعَ قد تجفُّ، لكنّ الذّكرياتِ تبقى نزيفاً لا يتوقّف.
– لأنّه الفنُّ الّذي يتحوّلُ إلى دمعةٍ تسكنُ العينَ إلى الأبد.
“جفّتِ الدّموعُ”.. ليستْ مجرّدَ سينما، بل هي قبلةٌ أخيرةٌ على جبينِ العاشقين، هي الوردةُ الّتي ذبلتْ في يدِ الزّمنِ، لكنّ عطرها بقيَ يُطارحُنا الذّكريات. إنّه الفيلمُ الّذي علّمنا أنَّ الحبَّ قد يموتُ.. لكنّه لا يُدفنُ أبداً.
Discussion about this post