جَمِيل الْقَحْطَانِي.. حِينَ يَتَحَوَّلُ الشَّغَفُ إِلَى مَسِيرَةٍ مُتَفَرِّدَةٍ …
بقلم : سلمى صوفاناتي
فِي حَضْرَةِ الْجَمَالِ، تَتَوَارَى الْكَلِمَاتُ خَجَلًا، وَتَضِيعُ الْحُرُوفُ بَيْنَ أَعْمَالٍ كُومِيدِيَّةٍ تَلَامِسُ الْأَعْمَاقَ، وَتُبْهِجُ الْأَرْوَاحَ، وَنَقْدٍ اجْتِمَاعِيٍّ رَاقٍ يَلَامِسُ الْجِرَاحَ بِصِدْقٍ وَشَفَافِيَّةٍ.
هُنَا، حَيْثُ يَتَحَوَّلُ الْوَاقِعُ إِلَى فَنٍّ شَفِيفٍ، وَالسَّرْدُ إِلَى لَوْحَاتٍ تَنْبِضُ بِالْحَيَاةِ، يَسْطُعُ اسْمُ فَنَّانٍ مُتَعَدِّدِ الْأَبْعَادِ، يَنْسُجُ مِنْ مَوْهِبَتِهِ فَضَاءً مِنَ الْإِبْدَاعِ الْخَالِصِ.
ظَاهِرَةٌ فَنِّيَّةٌ نَادِرَةٌ، تَتَفَجَّرُ كَبُرْكَانٍ لَا يَخْمُدُ، وَتَنْسَابُ كَأَنْهَارٍ لَا تَنْضَبُ، وَتَتَأَلَّقُ كَكَوْكَبٍ لَا يَأْفُلُ فِي سَمَاءِ الْإِبْدَاعِ.
الْيَوْمَ، تَتَزَيَّنُ الْكَلِمَاتُ بِحُلَّةِ الْمَجْدِ، وَتَتَهَادَى الْحُرُوفُ فِي مَوْكِبِ التَّمَيُّزِ، لِنَحْتَفِيَ بِرَمْزٍ فَنِّيٍّ نَسَجَ مِنَ الْفَنِّ مَعْبَدًا، وَمِنَ الْإِبْدَاعِ رِسَالَةً خَالِدَةً.
هُوَ مَكْتَبَةٌ فَنِّيَّةٌ مُتَنَقِّلَةٌ، وَأَكَادِيمِيَّةُ إِبْدَاعٍ تَصْنَعُ الْأَجْيَالَ، بَلْ مَلْحَمَةٌ فَنِّيَّةٌ تُرْوَى، وَسَتَظَلُّ تُرْوَى عَلَى أَلْسِنَةِ الزَّمَنِ.
فِي التَّمْثِيلِ، يُحْيِي الشَّخْصِيَّاتِ وَكَأَنَّهَا خَرَجَتْ لِلتَّوِّ مِنْ رَحِمِ الْحَيَاةِ.
فِي التَّأْلِيفِ، يَنْسُجُ الْحِكَايَاتِ بِخُيُوطٍ مِنْ ذَهَبٍ وَإِتْقَانٍ.
وَفِي الْإِخْرَاجِ، يُحَرِّكُ الْمَشَاهِدَ كَأَنَّهَا تَعْزِفُ سِيمْفُونِيَّةً بَصَرِيَّةً آسِرَةً …
– فِي هَذَا الْحِوَارِ الِاسْتِثْنَائِيِّ، نَقْتَرِبُ أَكْثَرَ مِنَ الْفَنَّانِ الْمُتَعَدِّدِ الْمَوَاهِبِ، الدُّكْتُورِ جَمِيلِ الْقَحْطَانِيِّ، لِنَكْتَشِفَ جَانِبًا مِنْ شَخْصِيَّتِهِ، وَمَسِيرَتِهِ، وَتَحَوُّلَاتِهِ الَّتِي جَعَلَتْ مِنْهُ عَلَامَةً فَارِقَةً فِي الْمَشْهَدِ الْفَنِّيِّ، وَصَوْتًا يَحْمِلُ رِسَالَاتِ الْفَنِّ بِرُوحٍ مُبْدِعَةٍ وَمَسْؤُولَةٍ.
-فِي الْبِدَايَةِ: كَيْفَ تَصِفُ نَفْسَكَ؟
-«إِنْسَانٌ بَسِيطٌ، أُحِبُّ النَّاسَ وَأُحِبُّ الْبَسَاطَةَ، وَأَجِدُ نَفْسِي دَائِمًا فِي قَلْبِ الْمُجْتَمَعِ وَبَيْنَ النَّاسِ… هَذَا أَنَا بِكُلِّ بَسَاطَةٍ.»
– مَا هُوَ أَهَمُّ مُنْعَطَفٍ بِحَيَاتِكَ الْفَنِّيَّةِ؟
-«لَمْ يَكُنِ التَّأْلِيفُ أَوِ الْإِخْرَاجُ ضِمْنَ قَائِمَةِ طُمُوحَاتِي فِي الْبِدَايَةِ، فَقَدْ كُنْتُ مُمَثِّلًا فَقَطْ، أُؤَدِّي أَدْوَايَ بِكُلِّ شَغَفٍ. وَكَانَ مَنْ يَتَوَلَّى مَهَمَّةَ التَّأْلِيفِ وَالْإِخْرَاجِ هُمَا الْأُسْتَاذَانِ الْقَدِيرَانِ سَعُودُ قَطَّانُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَمُحَمَّدُ الْبُشّارِى ، وَقَدْ تَتَلْمَذْتُ عَلَى أَيْدِيهِمَا.
لَكِنَّ الْحَيَاةَ تَصْنَعُ مَسَارَاتِهَا الْخَاصَّةَ؛ فَحِينَ تَوَقَّفَ الْأَسَاتِذَةُ عَنِ الْعَمَلِ، كُنْتُ حِينَئِذٍ أَحَدَ أَعْضَاءِ نَادِي الْحِزَامِ، وَطُلِبَ مِنِّي تَقْدِيمُ نَصٍّ مَسْرَحِيٍّ بِمُنَاسَبَةِ أُسْبُوعِ الْمُرُورِ الْخَلِيجِيِّ.
فَكَتَبْتُ وَأَخْرَجْتُ الْعَمَلَ، وَكَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ أَنَّ الْأَصْدَاءَ كَانَتْ قَوِيَّةً جِدًّا، وَمِنْ هُنَا بَدَأَتْ رِحْلَتِي فِي عَالَمِ التَّأْلِيفِ وَالْإِخْرَاجِ. هَذِهِ التَّجْرِبَةُ أَضَافَتِ الْكَثِيرَ إِلَى شَخْصِيَّتِي، وَتَحَوَّلَتْ مَعَ الْوَقْتِ إِلَى شَغَفٍ يَسْكُنُ وَجْدَانِي.»
– مَنْ هُوَ الْعَرَّابُ الَّذِي أَمْسَكَ بِيَدِكَ لِلْوُصُولِ إِلَى عَالَمِ النُّجُومِيَّةِ؟
-«الْفَضْلُ يَعُودُ إِلَى الْأُسْتَاذَيْنِ سَعُودِ قَطَّانَ وَمُحَمَّدِ الْبُشّارِى ، فَهُمَا مَنْ وَضَعَا قَدَمَيَّ عَلَى طَرِيقِ الْإِبْدَاعِ، كُلٌّ مِنْهُمَا سَاهَمَ فِي تَشْكِيلِ رُؤْيَتِي كَمُمَثِّلٍ أَوَّلًا ثُمَّ كَمُخْرِجٍ وَمُؤَلِّفٍ لَاحِقًا.»
-أَمَّا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ ذَاتَهُ، بَيْنَ التَّمْثِيلِ وَالْإِخْرَاجِ وَالتَّأْلِيفِ، فَأَجَابَ بِتَأَمُّلٍ عَمِيقٍ:
-«التَّمْثِيلُ هُوَ عِشْقِي الْأَبَدِيُّ، لَكِنَّنِي اضْطُرِرْتُ إِلَى دُخُولِ عَوَالِمِ التَّأْلِيفِ وَالْإِخْرَاجِ بِحُكْمِ الْحَاجَةِ، وَتَحَوَّلَ ذَلِكَ لَاحِقًا إِلَى شَغَفٍ آخَرَ. الْفَنُّ بِالنِّسْبَةِ لِي وَحْدَةٌ مُتَكَامِلَةٌ، فَالْإِخْرَاجُ رُؤْيَةٌ تُعَالِجُ النَّصَّ، وَالتَّأْلِيفُ يَنْبُعُ مِنْ عُمْقِ التَّجْرِبَةِ. وَقَدْ أَصْبَحَتْ هَذِهِ الْمَجَالَاتُ الثَّلَاثَةُ مَعًا عَصَارَةً فِكْرِيَّةً تَصْنَعُ نَكْهَةً خَاصَّةً فِي كُؤُوسِ الْإِبْدَاعِ الَّتِي أُقَدِّمُهَا.»
– وَفِي خِتامِ اللِّقَاءِ، وَجَّهَ الْقَحْطَانِيُّ رِسَالَةً مُلْهَمَةً عَبْرَ مِنْبَرِ صَحِيفَةِ الرُّوَّادِ نِيُوزِ الدَّوْلِيَّةِ، قَالَ فِيهَا:
«بَعْدَ تَجْرِبَتِي الطَّوِيلَةِ كَمُدَرِّبٍ مُعْتَمَدٍ مِنَ الْمُؤَسَّسَةِ الْعَامَّةِ لِلتَّدْرِيبِ التَّقْنِيِّ وَالْمِهْنِيِّ، وَمُؤَسِّسِ مَجْمُوعَةِ فُرْسَانِ الْمَدِينَةِ الْفَنِّيَّةِ، وَعُضْوِ نِقَابَةِ الْمِهَنِ السِّيْنَمَائِيَّةِ فِي جُمْهُورِيَّةِ مِصْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَعُضْوِ مُؤَسَّسَةِ الْمُبْدِعِينَ الْعَرَبِ بِالْقَاهِرَةِ، وَعُضْوِ اِتِّحَادِ الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ الدَّوْلِيِّ، أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ:
النَّجَاحُ لَا يَأْتِي صُدْفَةً، بَلْ هُوَ نَتِاجُ تَعَبٍ، وَإِصْرَارٍ، وَمُوَاجَهَةٍ لِعَقَبَاتٍ كَثِيرَةٍ.
طَرِيقُ النَّجَاحِ مَحْفُوفٌ بِالْأَشْوَاكِ، لَكِنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ الْفَتِيلُ الَّذِي يُوصِلُنَا إِلَى أَهْدَافِنَا، وَيَمْنَحُنَا الْقُدْرَةَ عَلَى تَخَطِّي الصِّعَابِ.
كُلُّ الشُّكْرِ لِلدُّكْتُورِ الْإِعْلَامِيِّ أَشْرَفَ كَمَالَ، رَئِيسِ التَّحْرِيرِ، وَلِلصَّحَفِيَّةِ الرَّاقِيَةِ سَلْمَى صُوفانَاتِي الَّتِي أَدَارَتْ هَذَا الْحِوَارَ بِكُلِّ مِهْنِيَّةٍ وَرَقِيٍّ.» …