بقلم الكاتب أحمد بركات
من المؤكد أنه لولا الرسالات السماوية، لنقل لنا التاريخ أكاذيباً وشكوكاً، كان من الممكن أن نصدقها بيقين، ذلك أن الأقوياء دائماً هم من يكتبون التاريخ.
قال تعالى عن قوم نبي الله لـــوط “مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ”، سبحان الله لا يرغبون في وجودهم لكونهم يتطهرون، وهكذا سنن المجرمين.
ورغم أن الآية تتحدث عن فعل مخالف للطبيعة، اعتاده قوم نبي الله لـــوط، إلا أنها ترسخ لقاعدة أَلا وهي يظل دائمًا كل نجـــــس لا يرغب في أي طاهر.
مرت العصور ولم يتغير المكان، وإن تغير الزمان كثيراً، فالأرض هي الأرض، والناس غير الناس، والأفعال تبقى دائماً لا تنفصل عن الفاعل.
وستجد دائمًا وعلى مر التاريخ أن الأقوياء هم من يكتبون التاريخ، لذا سيظل التاريخ يُدَّون جانباً واحداً فقط من جوانب الحقيقة، فهو لن ينقل الحقيقة كاملة.
فقد دون التاريخ فرعـــون موســى في صورة بطل، ولم يدون استعبـــاده وظلمــه لقوم نبي الله موســى عليه السلام، وتحدث التاريخ عن حضارات، وتحدث عن انتصارات، لكنه لم يحدثنا عن أشـــلاء من البشر، بُنيت على أنقاضها تلك الحضارات، وأي تضحية بُذلت في سبيل تحقيق تلك الانتصارات؟!
قيل على لسان أحدهم: يُظهر التاريخ أن مصيــر بلد من البلدان يكون أحياناً رهينـــاً بيوم واحد، ولكنه يظهر أيضاً أن التحضير لهذا اليوم غالباً ما يتطلب السنين الطوال.
حتى أن التاريخ لم يسجل غرق فرعــــون وجنوده، رغم كون هذا الحدث من أعظم الأحداث في التاريخ الفـرعـــوني،
ليؤكد لنا بالفعل، أن الأقوياء فقط هم من يسجل التاريخ، فهم من يكتب التاريخ العامر بانتصاراتهم، حتى أن هزائمهم المسجلة في التاريخ والتي يعقبها انتصارات، ما كانت إلا لتؤكد على انتصاراتهم، تؤكد على قدرتهم على تحقيق الانتصار بعد الهزيمة، فقد أكدت لنا تلك الهزائم، أن أعظم نصر هو نصر يعقب هزيمة، لكنهم دائمًا يسجلوا جانبًا واحدًا من الحقيقة.
فكيف لحدث تاريخي كغـــرق فرعـــون وسُتمائة ألف من جنووده، ألا تتحدث عنهم الآثــار، إن هذا لو دل، فإنما يدل على أن الأقوياء كانوا وما زالوا يملون إرادتهم على التاريخ، فلم يكتبوا لنا التاريخ إلا من جانبِ واحد وأخفوا العديد من الجوانب.
لما لم يكتب التاريخ عن قـــاروون!!! هذا الرجل الذي كانت تحمل مفاتح خزائنه العصبة أولو القوة، لم يحدثنا عنه التاريخ هل هو ملك كما يقول البعض أم أنه غير ذلك؟ مدينة إر م .. كل الروايات تؤكد عن وجود مدينة أسطورية، فاقت في حضارتها كل الحضارات، ومع ذلك لم يسجل التاريخ شيئاً عن تلك المدينة، إلا ما جاء به القرآن، فلولا القرآن ما سمعنا بتلك المدن. ” ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمــود الذين جابوا الصخر بالواد وفــرعون ذي الأوتاد الذين طغــوا في البلاد” .
كما حدثنا القران، وحدثتنا الكتب السماوية عن شخصيات بارزة، وأنبياء ورسل وملوك، وحروب وصراعات ومدن، لم يدون التاريخ عنهم شيئا سواء بالســلب أو بالإيجاب، وقد يكون دونهم التاريخ ولكن وفق أهوائه، فلم نستطع أن نتعرف عليهم لأن التاريخ خالف المؤكد لنا باليقين.
حينها سوف تسأل نفسك سؤالاً هامًا من يكتب التاريخ ليدّون هذا ويمحو هذا !!! يقول أحد الروؤســاء: “التاريخ يكتبه المنتصرون”.
لكن الحقيقة التي لابد أن نعلمها جميعًا، أنه ليس كل منتصر على حق، كما أنه ليس كل مهزوم هو على باطــل، ولكن المؤكد لنا يقيناً، أن التاريخ يكتبه كل منتصر، حيث تُسلب حينها أقلام كل المهزومين.
لكن هذا لن يحول دون بزوغ نور الحقيقة يوماً، حقيقة ستبقى وتُورث من جيل إلى جيل، ستُروى عبر حكايات البسطاء، وستدون في عقول كل الأطفال الأبرياء، وهي أنه ليس كل منتصر على حق.
تحياتي لأصحاب العقول الراقية
من يكتب التاريخ
شخبطة كاتب
الكاتب بركات
Discussion about this post