قراءة نقدية:
“القصيدة وثنائية الماضي والحاضر”
القصيدة: “قيثارة الليل”
الشاعرة :الهام عيسى(سوريا)
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
القراءة النقدية:”القصيدة وثنائية الماضي والحاضر”
لقد اختارت الشاعرة لقصيدتها عنوانا “قيثارة الليل”والعنوان يتناص مع عنوان كتاب المؤلف “جورج ابراهيم الخوري”وهو رئيس تحرير “الشبكة” أحد أركان”دار الصياد” والصحافة والاعلام في لبنان.
والقيثارة آلة موسيقية ضاربة في القدم.فيقول الشابي:
ان هذه الحياة قيثارة الله// وأهل الحياة مثل اللحون
نغم يسْتبي المشاعركالسّحْر// وصوت يحلّ بالتلحين
والليل هو”قلب وروح ودمعة. في الليل سكون وفي السكون راحة وفي الليل همسات الريح وهمسات البشر ومواويل الشعر وفي الليل احتفال المخلوقات ببهجة السكون الاسود”(1)
والليل آية من آيات الخلق ومطرح للقسم به(“والليل اذا سجى” سورة الضحى الآية (2)) لدلالته على عظمة الخالق والليل فسحة للسكينة والهدوء والتأمل.
والموسيقى هي التي تبث في الليل روحا وأجنحة للعقل لتحلق في الخيال.
وفي هذا الاطار: – أيّة موسيقى ستعزفها القيثارة في سكون الليل؟
– أية موسيقى تبث في الليل روحا وأجنحة للعقل لتحلق في الخيال؟
تستهل الشاعرة قصيدتها بجملة مبدوءة بفعل ماضي ناقص(كان) ومن معاني كان:صار /حدث / وُجد فتقول:
“وكان الذي كان…” كأنها تقول “كان الذي حدث” او”كان الذي صار”
من خلال هذه الفجوة النصية قد يتدخل القارئ متسائلا:
– ما الذي كان؟ ما الذي حدث؟ ما الذي صار؟
– هل كان فراق وهجر بين الحبيبين؟
– هل هو حب ضائع؟
– هل ستسلّم الحبيبة بما حصل؟
وتصف الحبيبة حالتها المضطربة في اطار زماني كله وحشة وسكون .انها وحشة الليل التي تحدّث عنها بعض الشعراء:
يقول امرؤ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله// عليّ بانواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطّى بصلبه// وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألانجلي// بصبح وما الاصباح منك بأمثل
ويقول احد الشعراء:
سكن الليل والاماني عذاب// وحنيني الى الحبيب عذاب
كلما داعب الكرى جفن عيني// هزني الشوق وأضناني الغياب
يقول محمود درويش: من سوء حظي
نسيت ان الليل طويل..
ومن حسن حظك
تذكرتك حتى الصباح
ويقول أيضا:كم يكون الليل كئيبا
حين تفتقد فيه شيئا
تعودت عليه..
في هذا السياق من شكوى العشاق من الليل ماذا تقول الشاعرة الهام عيسى؟
تقول الشاعرة: يدي على قلبي
وكبدي بالخفقان..
في وحشة الليل وسكونه
أحلق مع الضوء
أبحث عن الدفء الضائع
في بوصلة الحلم
ان الشاعرة تستخدم أسلوبا بلاغيا قائما على المقابلة المعنوية فتقابل بين ظلام الليل والضوء وهي بذلك تتحدى وحشة الليل وتتحدى سكونه بالتحليق والتحليق حرية وتحرر وحركة تخلصها من الجمود الذي يكبلها فتبحث عن الدفءوالدفء حرارة والحرارة حياة.
انها تتحدّى الواقع الذي ترفضه لتجعل الحلم بوصلتها .
لكن أي حلم تريد ان تعيشه؟
انها ستجعل القيثارة تعزف لها ألحان الحنين لتبعد عنها وحشة الليل فتقول:
“استقدم حنينك بالالحان”
واذا ألحان القيثارة تلهمها “فكرة جامحة” تلحّ عليها.انها فكرة كالريح تعصف
بها وكالرعد تدوّي في أذنها و في فكرها ولن تستطيع التخلي عنها.
هذه الفكرة تقول لها: فكرة جامحة تعتليني
كالريح, كالرعد
تقول لي:
كوني له وطنا
فضاء للرؤيا
كوني له الارض والسماء
كوني لي
دون ضفاف…
انها تخاطب نفسها باستخدام صيغة الامر الذي يفيد الطلب
فالشاعرة جرّدت من نفسها مخاطبا لتأمرها بما يخامرفكرها دون نقاش
هنا قد يتدخل القارئ متسائلا:
– هل الحبيبة كانت مقصّرة مع حبيبها لتراجع نفسها وتعيد حساباتها لتمنحه
ما حرمته منه من قبل؟
والوطن سيادة وحرية واستقلالية. فهل الحبيب كان يعيش معها التبعية والعبودية
وهي بذلك تريد تحريره ليستنشق نسيم الحرية وتكون له وطنا هو سيده.
– هل الحبيبة كانت تضيّق عليه وتخنقه أمرًا ونهيًا لتكون له الان الارض والسماء
برحابة صدرها.
وكأني بها وبهذه الفكرة الجامحة تريد أن تطوي صفحة لتبدأ صفحة جديدة
انه اعتراف بما بدر منها في الماضي وهو نوع من الاعتذار.
انها ترفض الماضي لتعيش الحاضر وتبني المستقبل.
انها ترفض الواقع وتنشد اللاواقع(الحلم)هذا الحلم الذي ستعزفه قيثارة الليل
انها تعود لتردد نفس الترديدة التي لا تخفي هنا ندمها على ماكان
وكأني بهذه الترديدة تردّ على فكرتها الجامحة الاولى ..
ان الحبيبة تتخيل ان الحبيب يردّ عليها فتقول:
فكرة مع النسيم
تقول:
دعيني أبحر بين يديك
أتغلغل في ضلوعك
أستوطن حنايا روحك
أكون لك المدى والبهاء
أكون لك المجداف
أكون لك اللحن في النداء
ان الشاعرة استهلكت فعل” كان” كثيرا تخيّلا منها ان الفكرة الاولى الجامحة (كوني) ستكون فاعلة في كون الفكرة الثانية القادمة اليها مع النسيم لتتخيل ان الحبيب سيكون لها…وسيكون ..وسيكون.
انها ترفض الماضي لتعزف لها القيثارة من خلال الفكرة الجامحة والفكرة “عبر النسيم” ان العلاقة بين الحبيبين هي أخذ وعطاء فالحبيبة تطلب من نفسها ان تكون له وطنا حتى يستوطن الحبيب روحها هو الآخر.
بعد أن خاطبت نفسها وأمرتها بتغيير المواقف تخيّلت انه يستجيب لفكرتها الاولى من خلال فكرتها الثانية انها رسالة منه عبر النسيم والنسيم بحريتة وعذوبته ونعومته وانعاشته ليبحر بين يديها ويتغلغل بين ضلوعها ويستوطن حنايا روحها وليكون لها المدى والبهاء والمجداف الذي يقودها واللحن الذي يطربها في ندائه.
انها رسالة تنعش روحها انعاشة النسيم.
ان الواقع الذي كان فيه ما كان ولم يرق لها تستبدله بواقع في المتخيل تستعيد به ما فقدته في الماضي وستساعدها في ذلك تلك القيثارة بعزف الأمل والتفاؤل مع سكون الليل.
انها لا تخفي عنا نزعتها السريالية في رفضها للموجود وتوقها للمنشود.
انها ترفض حاضرا كبّله الماضي وتنشد مستقبلا يعيد اليها ما فرّطت فيه
انه حديث الروح الايجابي.
انه نوع من الحوار الباطني الذي كشف بامتيازعن نفسية متأزمة مشحونة بالحزن والحسرة والندم على ماكان قد دعمته بتلك الترديدة “كان الذي كان”
وهو نوع من جَلد الذات حزنا وحسرة وندما لذلك بحثت عن حلّ في الحلم.
ان هذا الحلم الذي حدّثت به روحها جعلها تتنهّد وتتنفس الصعداء:
– تتنهد لأنها تسرّ الندامة على “كان الذي كان”فهي نادمة على ما فرّطت فيه.
– تتنفس الصعداء لانها أفرغت ماكان يثقل صدرها وينغص عليها ليْلَهَا ويُوحشه
انها تريد ان تملأ قلبها ببصيص من الأمل واذا بها تعلل نفسها في بحر الأرق
بذكريات الحكايا فتبحث عن قبلة للشتاء تبعث فيها الحرارة والدفء وعن ضحكتها الدائمة والمستمرة دوام واستمرارية الفصول فتقول الشاعرة:
تنهّدت,تنفست الصعداء
اعتلت ذاكرتي كل الحكايا
كي تنحني
تحت الخطى والحنين
والقت بوشاحها في متاهات الارق
بحثت عن قبلة للشتاء
عن ضحكتي الدائرة بين الفصول
بيد أن المتخيل ليس واقعا انه حلم ..انه اللاواقع الذي تريد من القيثارة ان تعزفه
لها لتخفف من وطاة وحشة الليل.
تعود الشاعرة باسم الحبيبة الى ترديدتها الحزينة “وكان الذي كان” بل وتدعمها
وتؤكدها بترديدة ثانية”وصار الذي صار” لتعود لواقعها وهنا تقحم المكان ليكون شقيقا للزمان في وحشته لتدوّن اضطراباتها على طول المدى و قد سَخّرت الروح لتسائل الماضي وما جناه على الحاضر.
هل ان الشاعرة هنا توحي لنا بان المبدع لا يبقى له الا ابداعه؟
هل الشاعرة تريد ان تبرزلنا علاقة المبدع بابداعه؟
– هل ان الابداع يعوّض لها ما فرّطت فيه في الماضي؟
– هل ان الابداع وحده يبقى في حين يفنى كل شيء؟
تقول الشاعرة: وعدت الى المكان…
أدوّن ارتعاشات المدى
فوق جدار العمر
وبمداد الروح
أسائل الماضي والحاضر
انها مساءلة للماضي وكأني بها ستحاكمه عمّا جناه على حاضرها.
انها تطلب السلام لثغر من سلسبيل ولأشرعة من نور ولرعد يغازل غيم المطر
ولابجدية غزلت حروفها على جدران اوغاريت(مملكة قديمة في سوريا وهي مهد اقدم أبجدية مكتوبة في التاريخ الانساني) (2) والحان نينوى التراجيدية (3) ونقشت اسمه فوق الصدى والازمان.
انها تناشد الماضي والحاضر ان يُنْصفاها لتحقيق ما تتوق اليه نفسها المتازمة والمازومة والحزينة والنادمة والمتحسرة لتعزف لها القيثارة ما تتوق اليه نفسها.
ان هذه القفلة المفتوحة تبعث في نفس القارئ بصيصا من الأمل والتفاؤل.
انه تفاؤل الشاعرة ولعله انتصار القيثارة بعزفها الجميل وموسيقاها الحالمة على الليل بظلامه ووحشته.
سلم قلم الشاعرة الهام عيسى الذي جعل حرفها في القصيدة متميزا ومتفردا أسلوبا ومحتوى.
بتاريخ:24 /07/2024
القصيدة
٠قيثارة الليل
ا============ الهام عيسى
.
وكان الذي كان..
يدي على قلبي
وكبدي بالخفقان..
في وحشة
الليل وسكونه
أحلق مع الضوء
أبحث عن الدفء الضائع
في بوصلة الحلم
استقدم حنينك بالألحان
فكرة جامحة تعتليني
كالريح
كالرعد
تقول لي
كوني له وطنا
فضاء للرؤيا
كوني له
الارض والسماء
كوني لي
دون ضفاف ..
وكان الذي كان..
أمشي على الماء
وأخترق الحجب
والجدران..
فكرة مع النسيم
تقول،
دعيني أبحر
بين يديك
أتغلغل في ضلوعك
استوطن حنايا روحك
أكون لك المدى والبهاء
اكون لك المجذاف
أكون لك اللحن في النداء
تنهدت تنفست الصعداء
اعتلت ذاكرتي كل الحكايا
كي تنحني..
تحت وقع الخطى والحنين
وألقت بوشاحها في متاهات الأرق
بحثت عن قبلة للشتاء
عن ضحكتي الدائرة بين الفصول
وكان الذي كان..
وصار الذي صار ..
وعدت إلى المكان..
أدون ارتعاشات المدى
فوق جدار العمر
وبمداد الروح
أسائل الماضي والحاضر
سلاما لثغر من سلسبيل..
لاشرعة من نور
لرعد يغازل غيم المطر
لأبجدية غزلت حروفها
على جدران اوغاريت
وألحان نينوى..
ونقشت اسمك
فوق الصدى والأزمان
ا======
المراجع:
https://mawdoo3.com>..(1)
كلام جميل عن الليل- موضوع
https://www.face book.com>posts(2)
اوغاريت- اقدم ابجدية في…-العربية سوريا
https://aramean-dem.org>Adab>N..(3)
قصتي مع موسيقا نينوى التاريخية- الموسيقا السريانية الكنيسة.
Discussion about this post