ماذا تعرف عن الطريقة الجنيدية؟!!
د. عبد العزيز يوسف آغا.
///////////////////////////////////////////////
في العشرين بعد المائتين من الهجرة النبوية، أشرق في بيت صغير من بيوتات بغداد ميلاد طفل وسيم عاش في أسرة تتكسب بالحلال وتعمل به وله، ومن والده التاجر الخزاز قبسَ الجنيد نور العلم، أما خاله فهو السريّ بن الحسن السقطي الذي يصنف في الحلقات التأسيسية لعلم التصوف ومدارسه، وقد عرف بورعه وزهده.
وقد كان للجنيد حظ كبير من علوم الفقه ومعارف الشريعة، أو ما يسميه المتصوفة علم الظاهر، فقد تفقه على يد العالم أبي ثور الكلبي، وجلس للإفتاء في حلقة شيخه وهو ابن عشرين، وفي ذلك ما فيه من تقدير الشيخ لعلم التلميذ ورضاه عن فهمه وورعه.
أخذ الجنيد مكانته في دائرة معارف الصوفية من خلال طريقته ومنهجه، وتعززت تلك المكانة عبر الزمن من خلال كثير من المقولات السائرة والحكم التأسيسية التي تداولها المتصوفة بالشرح والتوضيح والحواشي والتفسيرات، ومن بين تلك الحكم والمواعظ قوله:
-أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب جل جلاله من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان.
-من خالفت إشارته معاملته، فهو مخادع كذاب.
-إن كنت تأمله فلا تأمنه (وقيل إنها كانت نقش خاتم الجنيد).
-أُعطي أهل بغداد الشطح والعبارة، وأهل خراسان القلب والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشام الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والإنابة.
التصوف عند الجنيد هو : إفراد القديم عن الحدث، والخروج عن الوطن، وقطع المحابّ، وترك ما علم أو جهل، وأن يكون المرء زاهدا فيما عند الله، راغبا فيما لله عنده، فإذا كان كذلك حظاه إلى كشف العلوم، والعبارة عن الوجوه، وعلم السرائر، وفقه الأرواح.
وقال رجل رأى الجنيد بعد موته ، أي في الحلم، فسأله:
ما فعل الله بك؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها في الأسحار.
علمنا مضبوطٌ بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقّه، لا يُقْتَدى به.
الطريق إلى الله عز وجل مسدودة على خلق الله تعالى، إلا على المقتفين آثار رسول الله ﷺ والتابعين لسنته، كما قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
إنما هذا اليوم -إن عقلتَ- اتق الله، وليكن سعيك في دنياك لآخرتك، فإنه ليس لك من دنياك شيء، فلا تدخرن مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك، ولكن تزوّد لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك، قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل، فيحول دون الذي تريد. وصاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن
قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهدا فيها وحذرا منها، فإن الصالحين كانوا كذلك.
اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء.
وكما أثر الجنيد في جيله ومعاصريه، وكانت حياته قبس تصوف وتربية، فقد كان لوفاته تأثير عظيم على البغداديين، وفي ذلك يروى الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي الحسين بن المنادي قوله: ذكر لي أنهم حزروا الجمع يوم جنازة الجنيد، الذين صلوا عليه نحو ستين ألفا، وما زالوا ينتابون قبره في كل يوم نحو الشهر، ودفن عند السري السقطي.
وكان ذلك في سنة 298 من الهجرة.
على طريق النور نسير ،،،،،
وعلى المحبة نلتقي.،،،،
Discussion about this post