وَادِي سَيِّدِي النّاصِر * …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبْلَ عِقْدَيْنِ والرّبيعُ بَهاءُ، *** قبْل عقْديْن والشّبابُ سَخاءُ؛
زُرْتُ هذا الْمكانَ والْقلْبُ نُورٌ***والْأمانِي -بِالسّعْد فيها- ضِياءُ
رافقتْني حَبيبَتي -أخْتُ عِشْقي- *** مَنْ بِعَيْنَيْها قَدْ تَغَنَّى الْفَضاءُ
كانَ فيها ضِمْنَ الْكمالِ جَمالٌ، *** وجَلالٌ، ونَشْوةٌ، وسَناءُ
وشْوَشاتُ النّفْسِ الْأنِيقةِ تبْدُو***كالصَّدَى فيها والْحديثُ حُداءُ
في هُدوءٍ تقولُ باسِمَةً: “يَا***قلْبَ رُوحِي، أنْتَ الْهَوَى والْوَفاءُ”
وإذا مَا دَنَتْ مِنَ الْماءِ يزْهُو*** بِخَريرٍ، والسَّيْلُ فِيه غِناءُ
فكَأنَّ الْوادِي تَشَكَّلَ لَحْناً *** لِرِضاها، والْحُسْنُ مِنْهُ رُواءُ
فبِها تَحْلو الْأرْضُ في أيِّ حِينٍ***وبِها تَحْلو في التّعالِي السّماءُ
في طَريقِي شاهَدْتُها ذاتَ أمْسٍ *** وأنا يافِعٌ، لِباسِي الصّفاءُ
فإذا الْقلْبُ يَمْلأ الْقلْبَ حُبّاً *** وإذا الشَّوْقُ في الْخَفاءِ لِقاءُ
حينَ أنْفاسُها تُداعِبُ هَمْسِي ***تَرْفُلُ الْإشْراقاتُ كَيْفَ تَشاءُ
ورَكبْنا بَرّاً وبَحْراً وجَوّاً، *** وبِنا يَزْدانُ الْمَدَى والْهَواءُ
عَصْرَ تِلْكَ الْأحْلامِ عِشْنا حُبُوراً،***سُرَّ مِنّا صَباحُنا والْمَساءُ
وقْتَها لِلْوادِي قصَدْنا فجُلْنا *** جَوْلةً في وُدٍّ سَقاهُ النّقاءُ
سَيِّدِي النّاصِرُ الشّرِيفُ تَجَلَّى*** شامِخاً والْقُرْآنُ مِنْهُ دُعاءُ
وطُيُورُ السُّهوبِ ظَلَّتْ تُحاكِي***جَوْقَةَ الْمُوسِيقَا فكانَ الرِّضاءُ
نَغَماتٌ في كُلِّ صَوْبٍ تُرِينا***أنَّ عَزْفَ الْآفاقِ مِنْهُ النّماءُ
ونَمَا مِنَّا عامُ عِزٍّ، وجُودٍ، *** وسَلامٍ، والْحُبُّ فِينا بِناءُ
ثُمَّ جاءَتْ أقْدارُنا دُونَ إذْنٍ..***مَسَّها الضُّرُّ.. حَلَّ فِينا الْبَلاءُ
سَرَطانُ الْخُبْثِ الْألِيمِ غَزاها***بَغْتَةً .. وَاسْتَحالَ مِنْهُ الشِّفاءُ
ذَهَبَتْ..آهٍ كَيْفَ كانَتْ مَلاكاً!***ليْسَ مِنْ حَقِّي -بعْدَ ذاكَ- الْبَقاءُ
يَدُها في يَدِي، ورُوحِي نَواحٌ، *** ولِساني تَشَهُّدٌ ورَجاءُ
فأشارَتْ بِالْعَيْنِ في صَمْتِها:”في***رَوْضَةِ الْعِشْقِ يا حَبيبِي اللِّقاءُ”
وَأنا الْيَوْمَ أرْسمُ الْأمْسَ رَسْماً ***باكِياً، فيهِ نَكْبَتِي والرِّثاءُ
أيُّها الْوادِي: هلْ تَرى مَا مُصابِي؟***لا تَقُلْ شَيْئاً فَالْكَلامُ غُثاءُ
أيُّها الْوادِي: هلْ تَرانِي غَريقاً ***في أنِينِي، أمْ أنْتَ مِنِّي بَراءُ؟
لا تُؤاخِذْنِي – يا صَديقِي – فَإنِّي***تائِهٌ والظّلْماءُ فَوْقِي غِطاءُ
هِيَ ذِي الْحَالُ:مَأتَمٌ بَعْدَ عُرْسٍ،***هيَ ذي الدُّنْيا:فَرْحَةٌ فشَقاءُ
بعْدَ حُبٍّ مُرَفْرِفٍ في الْمَباهِي،*** بعْدَ سَعْدٍ يُجِلّهُ السُّعَداءُ؛
هِيَ فِي الْقَبْرِ جُثّةٌ، وأنَا في *** غُرْبَتِي قَبْرٌ، والْوُجُودُ فَناءُ
ما حياةُ الرَّحِيلِ إلَّا رَحيلٌ *** والثَّوانِي بِالْمَوْتِ فِينا قَضاءُ
فَلْنَعِشْ في الْأحْزانِ دُونَ غُرُورٍ***وَلْيَكُنْ في لُبِّ السُّؤالِ الْجَلاءُ.
وَانْتَهَتْ قِصَّةٌ رَواها حَزِينٌ *** لِي، بِأرْضٍ أعْلامُها بُلَغاءُ
ودَعانِي أنْ أنْسُجَ الْحَكْيَ شِعْراً***رُبَّمَا مِنْ ذا يَأتَسِي التُّعَساءُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : أ . د . بومدين جلالي – الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وادي سيدي الناصر من أودية السهوب الغربية الجزائرية.
Discussion about this post