كنت نائما ليلا صيفا حين زارني صوت في المنام وهو يقول بكل حزم وثبات وثقة في النفس، بنبرة حزينة وصوت نقي غزا أذني فجأة :
“وجدتني في معبد الحياة ذات يوم باكيا جراء هذا النور وهذه الوجوه التي لم أعتد بها ولم أعرفها سابقا،خائفا ومتوجسا من كل شيء بما أنني صفحة بيضاء ناصعة لا حبر على سطوري ومكوناتي، لا أدري من أكون ولماذا تواجدت هنا ولا هدفي أو غايتي أو غيرها…
سترت جسدي بسترات متعددة وتنحيت عن بياضي حين شرع القلم في تدوين أفعال القدر وأقواله وعطاياه وهداياه وابتلاءاته هو والزمن وكل من تقاطع معي أثناء مكوثي في هذا المعبد المقدس….
أكلت وشربت ، نمت واستفقت، تعبت وارتحت، جلست واستقمت، تعلمت وجهلت، بكيت وفرحت، نجحت وفشلت ، فعلت الشيء ونقيضه مثل نساك هذا المعبد ومتعبديه وزواره الذين يزدادون ويتناقصون في كل لحظة بما أن الصلاة هنا لا تنقطع ولا تتوقف البتة…..
انتعلت الخير، فرأيتني أنيقا وجميلا جمال ما ركبت في البداية قبل أن تتلاعب بي التضاريس والجغرافيا ورواد المعبد إلى أن بات نعلي ضيقا يعسر علي السير والثبات ،فغيرته بنعل الشر الذي تماشي وقياس قدمي إلى أن تسويت وأندادي وأصحابي وبقية سكان المعبد….
تغيرت وتلونت مثل الحرباء حينا، و ردمت رأسي في التراب كالنعامة حينا آخر ، واستسلمت حينا ثالثا ورضخت للواقع وقوته، وتحديت المصاعب والعراقيل حينا رابعا… ،فكنت كمصلي معبدنا المميز….
نعم، ركبت قاطرة الزمان والمكان وهي تجوب بنا زوايا وأركان معبدنا الذي لم يتغير تغيرنا العجيب في كل لحظة، فكانت تتجول بنا وتعلمنا ما يجب علينا تعلمه لتأمين غد أفضل ما دام زمن التعلم ممكنا، لكننا – في معظم الوقت – لم نتعلم ولم نستوعب الدروس رغم كثرة الفشل والسقوط والتقهقر وعدم الخشوع في صلاتنا في هذا المعبد….
فعلا، لم نراجع دروسنا ولم نعتبر، لم نخطط جيدا ولم نسع إلى تركيز أسس قوية وسميكة لبناء مستقبل صلب ودائم يقينا الوقوع في أتون الشيطان والنفس الأمارة بالسوء اللتين سترميان بنا في جحيم جهنم غدا والعياذ بالله….
لم نستمع إلى ضمائرنا وتأنيبها حين كانت حية ونقية، حين كانت تلعب دور الميزان والمحافظ على توازننا وتعقلنا وخشيتنا من غضب الله وعباده، لما كانت تعاتبنا على كل خطأ وزلة لسان أو عمل في غير محله…
لم نفهم كثرة تدخلها في حياتنا وحرصها على ردعنا وارجاعنا إلى الجادة حتى تسلم صلاتنا وتقبل في هذا المعبد الدنيوي قبل المعبد الآخروي، لم نحافظ على وازعنا الديني والأخلاقي ، وتهنا في بحار هذا المعبد الملوثة التي أنستنا أحيانا ربها وخالقها، فنسانا وقتل فينا كل حي وأولهم ضمائرنا التي كانت تقول لنا يوما ما – كما كنت أتذكر دائما طيلة مسيرتي وتعبدي في هذا المعبد – :
– اتق الله يا هذا، وعد إلى وعيك ما دام وقت التوبة قائما وممكنا…
– (غاضبا ومزمجرا) ما الذي فعلته حتى تراني شيطانا و تؤرقني وأنا بحاجة إلى الفرح واللهو والمجون….
– (وهو يذكر الله ويسبحه دون انقطاع) سأدعو لك الله وأطلب منه إعانتك على الهداية والتوبة والإقلاع عما تدمن من شر وطاعة عمياء للملعون وأتباعه من الإنس والجن….
وها إننا نرتدي الأبيض مجددا وقد تلوث بما عشته في هذا المصلى طيلة هذه المدة، أخرج من هذا المعبد ومن يعرفني يبكيني بكاء حارقا ويدعو لي الواحد الأحد عساه يرحمني ويغفر لي ما تقدم وتأخر، أخرج ولم أؤدي صلاة صحيحة وسليمة واحدة – في أغلب الأحيان – يكمنها أن تشفع لي بين أيدي الله غدا يوم الحشر العظيم…. “
فاستفقت مذعورا وقد تبلل جسدي عرقا وارتعد أيما ارتعاد ، وقد شعرت بالعطش والخوف والذعر، توضأت بعناية شديدة رغم وضعيتي النفسية والصحية، صليت ركعتي حمد وشكر في انتظار أذان الفجر، قبل أن أقرأ ما تيسر من القرآن الكريم وأسبح الله وأذكره كثيرا إلى أن اطمأنت نفسي وسكنت واسترجعت توازني ووعيي وضميري الذي كدت أئده لولا هذه الحادثة التي جعلت مني إنسانا آخر يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لاخرته كانه يموت غدا.
Discussion about this post