ناهد مصطفى في الشعر كزهرة اللوتس في التاريخ المصري القديم.!
فعندما تأمل المصري القديم تلك الزهرة وجد فيها رمزٱ عميقٱ لعناصر الخلق الأربعة. فجذورها في طمي النيل، وسيقانها في الماء، وأوراقها في الهواء، وزهرتها تمتص ضوء الشمس.!
إنها زهرة تحكي قصة الخلق. وهي قصة تحمل كثيرٱ من الدلالات والرموز والمعاني وإيجاد علاقات تربط بينها وبين مكنونات النفس البشرية وبدء الخلق ورحيق الأبدية.!
وكذلك ناهد مصطفى، فهي كزهرة اللوتس صنعت على عين الطبيعة في مدينتي الشاطئية العامرة الزاهرة ؛ لتكون شاعرة تحرث أرض الشعر، وتمشي على أطراف أصابع التحدي في بيئة أدبية وعرة كتجربة الشاعرة (فدوى طوقان) التي كانت أشعارها مرآة تعكس قضايا مجتمعها، وتميط اللثام عن مكنونات نفسها، وترسم رؤاها بحروف الأبجدية، من خلال لوحات تنزف الوجع، وتلون الأمل، وتنطق بزفرات الخذلان.!
تعبر نصوص ناهد مصطفى عن تجربتها كأنثى في مجتمع شرقي يقيم خيمات العزلة، ليحدد إقامة المرأة، ويهمش دورها، ويستهين بقدراتها الإبداعية في الخلق والتنشئة والتربية.!
وكم كنت فخورٱ بها كتلميذة نابهة نجيبة تعشق الأدب وتقبل على تذوق النصوص الأدبية لطه حسين، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وتبدع في فن الكتابة والإلقاء وكانت حين تنشد تلثم كل حرف حين تنطقه.!
إنها وهي تتحسس أنفاس الشعر وتستحث خطاها على درب القصيد، كانت تحاكي زهرة اللوتس البيضاء، فتمد جذورها إلى تربة أنجبت أديبات العرب وشواعره، قديمٱ وحديثٱ فنهلت من منابعهن، وتشربت شهد تجاربهن، وامتطت جواد إبداعهن بعد أن شغفها الشعر حبٱ، فراودته عن نفسه.!
فاستقت المراثي من «الخنساء» والزهد وحب الله من «رابعة العدوية» وعذوبة الصور الشعرية من «ليلى العامرية» وكيف تذرف دمع الغربة وحنين الذكريات من «نازك الملائكة».!
وإذا كان الشعر كالحياة في نشأة الخلق من روح العدم، فقد جاءت نصوص ناهد مصطفى كبعث جديد للشعر الأصيل، متجردة من رداء ألبسته نازك الملائكة للشعر، فصار حرٱ فضفاضٱ، تبرأ منه العقاد رحمه الله.!
كانت منجزاتها تولد كفراشة زاهية تلبس النصوص ثوبٱ جديدٱ قشيبٱ، بفضل ما تمتلك من حس فني مرهف، ومقدرة على اختيار مفرداتها التعبيرية التي تساعدها على ابتكار أروع الصور الشعرية، لسبر أغوار النفس البشرية.
وروحها الشعرية تبدو جلية من أسماء دواوينها:
«عتاب- شيء بيننا باق -لو أنك لي- روح وريحان»
وتقول في «شيء بيننا باق»:
وتسابقت كل الدموع بحسرة
تروي على الأوراق أسراري
ورجوت عقلي أن يقود سريرتي
فغزت جيوش الشوق أفكاري
قد تهت وحدي في دروب تغربي
يغتالني يأسي.. كإعصار.!
وعندما يستبد بها الشوق ويعصف بها الحنين تقول:
حروفي من أسى الأيام تبكي
وتسقط في بحور الدمع صرعى
فقد مس الحنين ربوع طمري فأنبتت فى زوايا القلب مرعى
وبعدما ضاع العمر في انتظار وصل الحبيب قالت:
سنين العمر أضحت كالثواني
تمر ولم يعد للوصل مسعى.
وتمضي ناهد مصطفى في رحلة الإبداع تقدم للقارئ ورود الأبجدية كحسناوات تعزف تراتيل الجمال.!
Discussion about this post