خرج عن النص
كان بإمكان هذا الثقب الأسود استجلاب كليوباترا إلا أنه آثر إيزيس ، فجاءت هي إلى العالم ، ترتدي ملابس حتحور وفي يدها عين الحياة ، ظلت معه طوال يومه تنتحب و تتلو ترانيمها المقدسة ، ليلتها سرت سكينة ساحرة في أوصال سكان منطقته الشعبية تحدثوا عنها فيما بينهم في الصباح ، حتي رواد المقهى البائسين استشعروها وقضوا ليلتهم في الاستماع إلى أم كثوم وابتهالات النقشبندي وتوقفوا تماما عن ألعاب التسالي والشجارات المعتادة ، وفي الصباح طلبت منه زيارة أبي الهول ، فخرجت معه إلى الشارع في جلباب أسمر كان لأمه ، رآه بعض المتسكعين في منطقته فتتبعوهما و بدأوا في التلسن والتحرش اللفظي ، استدار لهم وقال :اخرسوا إنها إيزيس ٬ ضحكوا وتهكموا : -إيزيس ولا لميس ؟-، فنظرت هي لأعينهم ملأتها بالحسرة والألم لنهاية أعمارهم ، ركبا معا الميكروباص وعند إحدى الأكمنة آخر شارع الهرم تم إيقاف السيارة ، كانت الشرطة تبحث عن امرأة مجرمة قتلت زوجها وأطفالها ، اشتبهت الشرطة فيها خاصة أنها بلا أوراق هوية ، أخبرهم أنها إيزيس لكن عبثا ، نظرت إليه بلطف وقالت دعني أرحل بسلام ٬ ذهبت إلي القسم للتحقيق ثم ركبت سيارة الترحيلات ، وهناك في السجن ، ظلت طوال الليل تنتحب ، تتلو ترانيمها المقدسة ، وتستمع لحكايات بنات إيزيس ٬ لكن سكينة ما لم تسر في الأوصال ..
على الجانب الآخر وبالقرب ٬ كان يحاول أحدهم الصراخ فخرج الصوت مكتوما كما لو أن هناك كاتما وضع على فوهة سلاحه الناري ٬ فتنبه للتو أنه قد فهم أخيرا مشهد صرخة رائد الفضاء في الفيلم الذي قد شاهده بالأمس في سينما التحرير بوسط البلد ٬
وما كان ذلك الكاتم سوى كف غليظة قديمة قد جثمت على فيه ٬ تتبع بنظراته الحائرة تلك الذراع الطويلة الممسكة بها ٬ فانتهى به الحال إلى نسر ونجمتين في شارة معلقة على كتف ، فكان هذا كفيلا بأن يكف البحث عن الرأس المدبر ، لكن كانت هناك كف أخرى في طريقها لتهبط بقوة على قفاه ، وما إن وصلت ٬ استُفزته كي يعاود البحث مرة أخرى ، لكن هذه المرة نظر مباشرة في المرآة قبالته ، ليكتشف أنه هو رأسه ٬ ولتخرج منه ضحكة مدوية ، كان معتادا على سماعها كل صباح ذلك العسكرى الجاثم أمام باب مكتبه لتخرج ضحكاته مكتومة هى الأخرى كصراخ عقيده المجنون..
في الصباح استدعى العقيد إمرأة قاتلة إلى مكتبه للتحقيقات ٬ وما إن رآها تسمر في مكانه ، وقد عرفها وعرفته ٬ وسمع هاتفا في عقله : يمكنك الآن أن تصرخ ،
فانطلق صوت مدوي ٬ اقتحم على أثره عدد من العساكر والظباط مكتب العقيد ليجدوه غارقا في دمائه وبجواره سلاحه الناري ٬ بينما كان على مكتبه بضع وريقات كتب فيها بخط يده قصته القصيرة عن إيزيس ٬ إلا أنه خرج عن النص …
……..
احمد طلخان / مصر
Discussion about this post