قراءة هادئة على شاطئ نص “في حَضْرَةِ الْبَحْر” للشاعر أيمن دراوشة
قراءة – نادية الإبراهيمي – الجزائر
—
عنوان النص: في حَضْرَةِ الْبَحْر
شعر – أيمن دراوشة
1
صَوْتُ البَحْرِ…
يَمتَدُّ في الفَضَاءِ كَدَعْوَةٍ مَفْتُوحَةٍ لِلحُلْمِ،
لِصَفَاءٍ لا يَشْتَرِطُهُ شَيْءٌ.
2
يُنَادِينِي،
كَمَا تُنَادِينَا الأَشْيَاءُ الَّتِي نُحِبُّهَا
وَلَا نَعْرِفُ لِمَاذَا.
3
في عُمْقِهِ،
تَنَامُ أَمَانِيٌّ لَمْ تَقُلْهَا الشِّفَاهُ،
وَتَبْقَى،
تَسْكُنُ القَلْبَ دُونَ مَوْعِدٍ،
وَلَا تُوَدِّعُ.
4
يَا بَحْرُ،
يَا مِرْآةَ الحَيَاةِ حِينَ تَغْضَبُ وَحِينَ تَهْدَأُ،
كُلُّ مَوْجَةٍ مِنْكَ تُرَوِّي حِكَايَةً،
وَتُخْفِي أُخْرَى…
تَمَامًا كَقُلُوبِنَا حِينَ تَبْتَسِمُ.
5
وَقَفْتُ أَمَامَكَ،
بِلَا مُقَاوَمَةٍ،
أَتَنَفَّسُ صَمْتَكَ كَمَنْ يَعْثُرُ عَلَى وَطَنٍ دَاخِلَ أَنْفَاسِهِ،
وَأُغَنِّي لِلْنَجْمَاتِ…
كَأَنَّ اللَّيْلَ وَحْدَهُ يَسْمَعُنِي.
6
فِي حَضْرَةِ البَحْرِ،
نَفْهَمُ أَنَّ الكَلَامَ لَيْسَ كُلَّ شَيْءٍ،
وَأَنَّ بَعْضَ الصَّمْتِ
أَصْدَقُ مِنَ القَصَائِدِ.
التحليل الفني:
من خلال قصيدته التي اتخذت عنوانًا برَّاقًا، يأخذنا الشاعر في رحلة شعرية إلى أعماق البحر، حيث تتراقص أمواجه بين الحلم والصفاء.
“يَمتَدُّ في الفَضَاءِ كَدَعْوَةٍ مَفْتُوحَةٍ لِلحُلْمِ،
لِصَفَاءٍ لا يَشْتَرِطُهُ شَيْءٌ.”
البحر بالنسبة للشاعر ليس مجرد مكان هنا، بل هو كائن حي يتكلم بلغة الصمت والموج، يحمل في طياته قصصًا قديمة وأسرارًا دفينة.
كلّ سطر من النص ينساب كنسيم البحر العذب، يُنعش الروح وينعشها بالأمل والطمأنينة.
النصّ لا يصف البحر فقط، بل يغوص في أعماقه ليكشف لنا عن مشاعر وأماني خفية، تلك التي لا تُقال بالكلمات، لكنها تترك أثرًا عميقًا في القلب.
“في عُمْقِهِ،
تَنَامُ أَمَانِيٌّ لَمْ تَقُلْهَا الشِّفَاهُ،
وَتَبْقَى،
تَسْكُنُ القَلْبَ دُونَ مَوْعِدٍ،
وَلَا تُوَدِّعُ.”
هذا البوح الداخلي هو دعوة للانصياع للموجة، للاستسلام لشغف البحث في الأعماق الواسعة، حيث الهدوء يختلط باتصال روحي مع الذات والكون.
يستخدم الشاعر البحر كمرايا تعكس الحياة بكل تقلباتها، فكل موجة تحمل حكاية، ترويها لنا بلغة الطبيعة والصمت، وتذكرنا بأنَّ الإنسان يشبه هذا البحر في رحلته بين الأمواج والأوقات.
وبينما تلمع النجوم في الأفق، نشعر أننا جزءٌ من هذا الكون الواسع، نستنشق صمت البحر، نتأمل في وجودنا، وفي أسرارنا التي لا يمكن للكلمات أنْ تعبّر عنها.
يا لها من قصيدة تفتحُ لنا أبوابًا إلى عوالم غير مرئية، حيث يصبح البحر لغة، والموجة صمتًا يردد أصداء قلوبنا وأسرارنا.
“يَا بَحْرُ،
يَا مِرْآةَ الحَيَاةِ حِينَ تَغْضَبُ وَحِينَ تَهْدَأُ،
كُلُّ مَوْجَةٍ مِنْكَ تُرَوِّي حِكَايَةً”
النصّ يمنح القارئ فرصة للتوقف والتفكر في صمته الخاص، وفي اللحظات التي تسبق الكلام، حيث يكون الصمت أصدق وأعمق من أي قصيدة.
في النهاية، “في حضرة البحر” ليست مجرد رصف كلمات، بل رحلة روحية تأخذنا بعيدًا عن ضجيج الحياة، لتغوصَ فينا في صمتٍ هادئٍ مليءٍ بالحياة، ويعكسُ حكمةَ البحر وسحره الأبدي.
إنّه نصّ يسافر بنا إلى مسافات غير مرئيّة، حيث يكون البحر هو اللّغة، والموجة هي الصّمت الّذي يحمل صدى قلوبنا.
“فِي حَضْرَةِ البَحْرِ،
نَفْهَمُ أَنَّ الكَلَامَ لَيْسَ كُلَّ شَيْءٍ،
وَأَنَّ بَعْضَ الصَّمْتِ
أَصْدَقُ مِنَ القَصَائِدِ.”






































