بقلم … سابرينا
حينَ يَبكي الرِّجالُ…
حينَ يَبكي الرِّجالُ، فلا طَيشَ في الدَّمعِ،
ولا شَكوى لِدُنيا، ولا ضَجَّةَ الجَمعِ
يَبكونَ إذ يُظلَمُ الحَقُّ، إذ تُدنَّسُ قُدسٌ،
وإذ يُستَباحُ اسمُ اللهِ في الفِعلِ والفُسقِ
يَبكونَ في السِّحرِ، حيثُ النُّجومُ نُسّاكٌ،
وحيثُ الدُّموعُ تَسري لِعَرشٍ رَفيقِ
إذا قامَ لَيلٌ بهم، قامَتِ الأَرضُ طُهرًا،
وأَهدَوا جِباهَهمُ لِربٍّ رَؤوفٍ حقيقي
لا يَبكونَ دَهرًا، ولا خُسرَ أنثى،
ولا قَدرًا تَوارى، ولا رِزقَ مَخلوقِ
فَأَرزاقُهم في الكِتابِ مُقدَّرةٌ،
وما ضَاعَ للمتوكِّلِ رزقٌ، من طَريقِ
يَبكونَ حَينَ تُطوِّقُهُم ذُنوبُهُم،
وتَختَنقُ الأرواحُ في بحرِ تَفريطٍ عَميقِ
يَبكونَ عندَ البلاءِ، ولكنْ خُشوعًا،
يَرَونَ الجِراحَ سُجودًا، وصَبرًا رَشيقِ
فَما أَبكى الرِّجالَ حُطامُ الحياةِ،
ولا شَهوةٌ زائِلةٌ، ولا وَجعُ الحَريقِ
يَبكونَ إذ عَرَفوا أنَّ اللِّقاءَ الحَقيقي،
بِمَن أَحبُّوا، هناكَ… في دارٍ بلا فَريقِ
فمَن أرادَ لِقاءَ أمٍّ أو أَبٍ،
فليرفعِ البِرَّ تاجًا على الجَبينِ العَتيقِ
ومن أرادَ لِقاءَ أهلٍ وأولادٍ،
فليُصلِحِ الفِطرةَ، ويَغرسهُم بذِكرٍ دَقيقِ
ومَن أرادَ لِقاءَ مالِهِ في النَّعيمِ،
فليُقدِّمْهُ للهِ، فذاكَ في الطَّريقِ
فلا تَحزنوا إن بَكى الرِّجالُ،
فَذاكَ البُكاءُ عِزٌّ… لا يَعرِفُهُ الرِّقيق
…وإذا شُتِمَ الرَّسولُ؟!
وإذا شُتِمَ الرَّسولُ، تَهاوَت جِبالُ الرِّجالْ،
فَذاكَ الحُبُّ دينٌ، ونارٌ، وصَوتُ الجِلالْ
يَموتُ الحُلمُ في أَحداقِهم،
ويَموتُ الطُّهرُ إن هينَ سيّدُ الرِّجالْ
وإذا ماتت أُمُّه، صَمتَ الدُّنيا حَولَه،
فمَن يُنادِيهِ الآنَ: “كُلتَ عيني!” و”يا بُنيّ!”؟
تَسقُطُ الكَواكبُ، ويَتيهُ اللّيلُ،
ويَبقى دُعاؤُها حَبلَ الرَّجاءِ القَويّ
وإذا خَدَعَهُ أَخوه، فَتلكَ الطَّعنَةُ أَعمقُ،
من كلِّ سَيفٍ، ومن كلِّ جُرحٍ خَفيّ
ذاكَ الذي شارَكهُ الخُبزَ والبُكاءَ،
ذاكَ الذي ظَنَّهُ ظِلَّهُ في الكَدرِ الجَريءِ
وإذا ظَلَمَهُ صَديقُهُ،
فَالصَّداقَةُ عِندَ الرِّجالِ عَهدٌ،
والعَهدُ في دِمائهم لا في الحِبرِ السَّخيفِ
يَبكونَ، نعم، ولكن بُكاءَ الأَسَدِ الجَريح،
لا يَئِنُّ، لا يَصرُخ، لكن تَرتَعِدُ لهُ الجُدُرُ
ويَرجعُ لِربِّه باكيًا، شَاكِيًا، خاضِعًا،
فيَجِدُ في سُجودهِ شِفاءَ القَهرِ والضُّررِ
فَلا تَحسبُوا دَمعَهُ ضَعفًا،
فَالرَّجُلُ حينَ يَبكي للهِ…
فَهوَ في القُوّةِ قِمَّةُ الفَخرِ
بقلم … سابرينا






































