بقلم / محمد حامد خضر
ما الوطن؟ أهو رقعة من الأرض تُحدّها الجبال والأنهار؟ أم هو خرائط معلّقة على الجدران، وأغانٍ نرددها في المناسبات؟ لا، بل هو الروح حين تتجلى في هيئة تراب، والنبض حين يتخذ شكلاً من بشر وحجر وتاريخ؛ …الوطن هو الظلُّ الذي نحتمي به من قيظ الحياة، فإن سُلِب، صرنا كأشجارٍ بلا جذور، تميل بنا الريح حيث شاءت، وتذرو رمادنا في طرقات الغربة، ومن لا وطن له، لا ظلّ له تحت الشمس، لأن الشمس لا ترحم الغريب، ولا تغفر لمن أنكر دفء ترابه، … لقد خلق الله الإنسان من تراب، وجعل له وطنًا ليحنّ إلى أصله، فلا يهنأ العيشُ إلا بين ربوعه، ولا تسكن النفسُ إلا على أرضه؛ فالوطن ليس فقط منبتًا، بل هو مستقرّ الوجدان، ومأوى الكرامة، ومرآةُ الهوية، أيها القارئ الصادق، تأمل حال من اقتُلعت جذورهم، من شُرّدوا عن أوطانهم، ممن يتوسدون حجارة المنافي، ويلتحفون برد الاغتراب، هل تراهم ينبتون حيث يُلقى بهم؟ كلا، إنهم كالعصافير المكسورة الأجنحة، لا يطيرون، ولا يعرفون كيف يغنّون؛ فالوطن، يا صاحبي، ليس فقط ما نحيا فيه، بل هو ما يحيا فينا، هو الأب حين يكبر في عينيك وأنت تنظر إلى جباله، هو الأم حين تهمس لك الأرض بأغنيتها، هو الطفل حين تركض في أزقته وتضحك كأنك في حضن الأبد، فالوطن هو الشرف الذي لا يُشترى، والظلّ الذي لا يُباع؛ فمن باع وطنه، باع اسمه وتاريخه وإنسانيته، ومن فقده، فقد وجهته وإن عاش في ألف مدينة؛ فلنحمِ أوطاننا لا بالسلاح فقط، بل بالوفاء، لا بالهتاف فقط، بل بالعمل، وإن ضاقت بنا السبل، فلنجعل الوطن هو السبب الذي من أجله نصبر ونصنع وننهض، لا العذر الذي من خلاله نتخاذل ونهرب.






































