لساني عربي
لست نبيًّا مُرسلًا، ولا رسولًا مُؤيَّدًا، ولا فقيهًا يُفتى، ولا عالِمًا يُقلَّد. ولست شيخَ طريقةٍ ولا قطبَ زمانٍ، ولا أدّعي أنّي أملك مفاتيح الجنان، ولا أنّ لي عند الله عهدًا ولا ضمانا. إنما أنا رجلٌ آمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وبالقرآن كتابًا هاديًا ونورًا مبينًا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.
أنا رجلٌ من أمةٍ عظيمة، لستُ أستنير بنور غيري، لأنّ في لغتي من الضّياء ما يُغنيني، وفي ديني من الحكمة ما يَكفيني، وفي أصلي من العزّ ما لا يُبتاع، ولا يُمنح، ولا يُُنتزع. لغتي ليست لي بالتّعلُّم، بل هي في دمي، في عروقي، في نَفَسي، رضعتها من ثدي أمّي، وورثتها عن أبي، كما ورّثها هو عن جدّه، وما تزال حيّةً فينا، تأنف أن تُدنّس، وتأبى أن تُحرّف، وتسمو أن تُشرح لمن لا يحسّ بنبضها.”
“أنا لست شاعرًا بالهوى، ولا كاتبًا للتسلية، بل أنا ابن لغةٍ كلّ حرفٍ فيها وحي، وكلّ كلمةٍ منها صلاة، وكلّ جملةٍ سفينةٌ تمخر عباب المعنى. حين أكتب، لا أفتّش عن البلاغة، لأنّ البلاغة تُفتّش عنّي، ولا أبحث عن البيان، لأنّ البيان يسكن لساني منذ كنت طفلًا لا يميّز بين الضّوء والظّلّ. ومن كان جدّه علي بن أبي طالب، فقد ورث من النّور ما لا تقدر عليه شموس الكلام، ومن البيان ما تعجز عنه حروف الزّمان. أفصحُ العرب، بابُ مدينة العلم، من قال فيه النّبي: (أنا مدينة العلم وعلي بابها)، فهل يُلام حفيده إن كتب بمداد الحروف ما لا يقدر الأعجمي على فهمه؟
أنا عربيٌّ من صلب مضر، من قلب قريش، من أرومة آل البيت، من دمٍ لو نُثر على الحروف لنطقت، ولو سُكِب على الورق لاحترق من حرارة اليقين. ومن كان هذا دمه، لا يُفتِّش عن لسانٍ في كُتب الأعاجم، ولا يتّكئ على تفسيرات المستشرقين، ولا ينتظر من لا يُحسن غير التّرجمة أن يُشرح له سرّ الفصاحة وسحر البلاغة.”
“أنا لا أُجادلكم في الكتاب والسنّة، فهما لي قبل أن تشرحوهما، وأنا أعرفهما بحسّي قبل دراستكم ، لأنّني من القوم الّذين نزل فيهم الكتاب، وعلى لسانهم نُطقت السّنّة، ولأنّني ما زلت أتنفّس لغة الوحي، وأحيا في ظلّ من نزل عليه الوحي، وأفهم بقلبي ما عجزت عنه عقولكم المُترجمة.
أنا لا أُقصي أحدًا، ولكن لا أسمح لأحد أن يقصيني من أرضي ولغتي وهويّتي. أنا أكتب كما يُصلّي قلبي، وكما يُنشد دمي، فلا تنتظروا منّي أن أختزل روحي في قوالب أنتم صنعتموها خارج سياق النبوّة والنّبع الأصيل. إن كان في كلامي غموضٌ لكم، فابحثوا عن النّبع، لا عن الماء العكر، وإن استعصى عليكم فهمي، فليس لأنّني متكبّر، بل لأنّ في داخلي أنين قرونٍ تتكلّم بلسانها، لا بلغة التّرجمان.”
أنا لست نبيًّا، ولكنّي مؤمن.
أنا لست فقيهًا، ولكنّي أعبد الله بعين القلب قبل أن أُفتي بلسان العلم.
أنا لست عالمًا، ولكنّي أقرأ ما بين السّطور، كما تقرأ النّحلة الرّحيق بين الأشواك.
أنا شاعر، ولكنّ شعري ليس للهوى، بل دعوةٌ إلى الصّدق، ونبضٌ من حنين الأرض إلى السّماء.
أنا رجلٌ من قومٍ إذا وعدوا وفَوا، وإذا قالوا فعلوا، وإذا كتبوا سَجدت الكلمات عند أقدامهم.
فارحموا لغتكم، إن كنتم منها، أو اسكتوا عنها إن لم تُولدوا بين خيامها. فإن كنتم من قوم لا يعرفون أنين القصيدة، فلا تُعلّموا أبناء الفصحى كيف ينطقون بها. أمّا أنا، فأكتفي بقول جدّي: “ما لفظتْني رَحِمٌ إلّا عربيّة”، وليُعذرني من لم يفهم ما أقول، فإن البلاغة لا تُعطى إلّا لمن ذاقها، ومن لم يذق، فليترك للذائقين مجال البيان.”
أنا امرؤ مثل كلّ النّاس من نطف
من كان قبلي كتابا ليس بالصّدف
أنا ابن فاطمة الزّهراء وابن علي
سبط الحبيب رسول الله ذو شرف
حميد بركي







































Discussion about this post