تركتكِ هناك…
لم أودّع امرأة،
بل خلعتُ اسمي،
ملامحي،
والظلّ الذي كان يسير بجانبي
على جدران المساء.
غادرتُ،
والوطن بقي عالقًا بكِ،
كأنكِ جذره الخفي،
ورحيقه الذي لم يُزهِر سواكِ.
لم يكن رحيلًا،
بل تمزّقًا.
فالمنفى يبدأ
حين يُسحب القلب بهدوء،
ويُوضع في يدٍ لا تَعبرُ معك،
وصوتٍ لا يُولد إلا حين يغيب.
أنتِ لستِ ذكرى عابرة،
بل ملامح الوطن
حين تتجسّد في وجه أنثى،
ضحكتُه في صوتك،
وحنانه في التفاتتكِ الصغيرة.
كنتِ الذّاكرة التي تمشي،
الحنين الذي لا يُغادر،
الأثر الذي لا يُمحى.
حملتكِ في الشوق
أكثر ممّا احتضنتكِ في الحياة.
في المطار،
لم يطلبوا جواز القلب،
لكنه بقي هناك،
يرتّل الغياب كل صباح،
ويخذل الحدود كلما ناديتِ باسمي.
أدركت الآن…
أن الوطن ليس خريطة،
ولا علَماً يلوّح في الريح،
بل امرأة
تشبهكِ في صبرها،
وتفوقكِ في القدرة على الرحيل
دون أن تبرح المكان.
—
نور الدين طاهري
بلجيكا







































Discussion about this post