أجواء رمضان في البادية ليست كغيرها في أماكن أخرى فعلى الرغم من مشقة الحياة وسط العراء في أرض تلتهب حرا في النهار يظل سكان البدو الرحل متمسكين بنشاطهم الأساسي المتمثل في الرعي الذي يعد مصدر رزق لهم.
وتزداد صعوبة هذا النشاط في شهر رمضان حيث تنطلق رحلة الصائم منذ بزوغ الفجر وهي متعبة حقا فمهنة الرّعي شاقّة خاصّة مع طبيعة الصّحراء القاسية حيث يستيقظ الرّجال قبل أن ترسل الشمس أولى أشعتها يتأهبون ويخرجون المواشي للرعي ويلفون رؤوسهم جيدا بعمامات تقيهم حرّ الشّمس لاسيما في الظهيرة”.
وبعد أن تتوسّط الشمس السّماء تزداد حرارة الجو يبحثون عن الماء لأخذه معهم إلى الخيام .
وعندما تبدأ الشمس في تغيير اتجاهها نحو المغيب تبدأ رحلة العودة يعودون أدراجهم في المساء بخطى متثاقلة أنهكها يوم شاق من العمل والحر وهم يجرّون ماشيتهم باتجاه الخيام التي يرون من بعيد أنسب مكان يمكن للمرء أن يخلد للراحة فيه”.
وعند بلوغ الخيام يقوم الراعي بالبادية بإدخال ماشيته ويحكم رباط الأبقار التي تغذت من خيرات الطبيعة وامتلأت بطونها بعشب يجعلها تذر له لبنا خالصا يروى منه الصائم عند الإفطار مع حبات من التمر.
رائحة رمضان بنكهة البادية
و على مقربة من خيام سكان البدو الرحل تشم رائحة رمضان بنكهة البادية حيث تبعث النيران التي توقد بالجمر رائحة “الحريرة” الحساء المفضل للصائم عند الإفطار.الحريرة والشاي أساس مائدة الإفطار
رمضان في البادية لا يختلف كثيرا عن المدن خاصة ماتعلق بتحضير مائدة الإفطار تضيف الحاجة جمعة، حيث تقوم المرأة البدوية منذ الزوال بتحضير مائدة الإفطار التي تبقى الحريرة والمطلوع اساسها، أما عن ما يوضع في مائدة الإفطار تضيف محدثتنا: ” ان الصائم في البادية يفطر على التمر والحليب ثم الحريرة التي تميزها توابل طبيعية محلية كالقرطوفة، الزعتر وحشائش أخرى محلية وصحية، اضافة الى الكليلة وهي عبارة عن جبن مجفف مصنوع او يستخرج من اللبن، وتقدم الحريرة مع خبز المطلوع الذي يكون ساخنا حيث يتم طهيه مدة قصيرة قبل الإفطار، لتقدم بعده القهوة”،
أما مائدة العشاء فهي عبارة عن مرق عادي مع خبز المطلوع، فيما تتميز السهرة بالسمر على كأس الشاي والذي يتم طهيه على الجمر يقدم وحده أو مع الجبن او الكليلة خصراء، والجبن يصنع من الحليب بينما تصنع الكليلة من اللبن وغالبا ما تمتاز بالحموضة عكس الجبن”.
ومائدة الإفطار بالبادية لا مكان للحلويات فيها عكس المدن خاصة الشامية والزلابية وغيرها . . أما عن السهرات الرمضانية “فتقتصر على اللمة العائلية فقط. وفي حال وجود جيران يلتقي الشباب او حتى الكبار في إحدى الخيم او كل يوم في خيمة لقضاء السهرة مع بعض على صينية الشاي، فيما تقتصر مائدة السحور على السفة أي طعام رقيق مع الحليب او اللبن والشاي”.
أما عن التحضيرات لهذا الشهر الفضيل خاصة ماتعلق بالمواد الغذائية الأساسية أو ما يُعرف ب ” العولة ” تكون طيلة أيام السنة وليس خلال رمضان فقط وهي المؤونة الأساسية والمتمثلة في توفير مادة السميد والفرينة، الشاي، القهوة والزيت بالكمية اللازمة إلى جانب الخضر التي يتم جلبها خلال السوق الاسبوعي، وهذا يكون باستمرار طيلة أيام السنة. وفيما يخص التموين بالحليب فيتم الاعتماد على الماشية من بقر وغنم وماعز،
كما يتم نحر شاة مع دخول الشهر الفضيل او الاعتماد على نظام ” الوزيعة ” اذا كان هناك جارين او أكثر، اي يتم ذبح شاء وتوزع بالتساوي بين الجارين او ثلاثة على الأكثر، والوزيعة تعبر عن التكافل بين أفراد المجتمع .
ولربّما نلمس اختلافا بين رمضان بالماضي ورمضانا اليوم “فبالأمس رغم المشقة وقلة الإمكانيات إلا أنه كانت له اللمة العائلية، وروح التكافل والتآزر والتعاون، كنا نقطع مسافة 8 كلم او 10 كلم من أجل قضاء سهرة مع جيراننا البعيدين عنا”، يضيف أحد السكان “حيث تستمر السهرات حتى موعد السحور”.
ويعرف سكان البادية موعد الإفطار بإشارات يتبادلونها فيما بينهم لتجد الجميع يفطر على حبات من التمر واللبن ويتجه حيث تقام صلاة المغرب جماعة.
وهكذا تجتمع العائلات على مائدة الإفطار حيث يفطر الصائمون من الرجال على مائدة وليس بعيد عنهم تجتمع النسوة لتناول الإفطار رفقة أولادهن.
وبعد الإفطار وقيام صلاة العشاء والتراويح تبدأ سهرة جديدة في البادية حيث يحلو السمر بين أفراد الدوار الواحد بقعدة سينية الشاي التي يتناوبون عليها حيث يحضر هذا المشروب على لهيب الجمر ويقدمونه مع حلوى الزلابية والفول
السوداني وطبق السفة الشهير الذي يجمعهم حتى موعد السحور في أجواء أخوية يطبعها التلاحم والتآزر الذي صنعوه بأشياء بسيطة وبدائية بعيدا عن صخب المدن وضجيج الطرقات.
حجاج أول عويشة الجزائر







































Discussion about this post