د. عبد العزيز يوسف آغا.
نحن لسنا وحدنا –كبشر –في هذا العالم، هناك قوة أكبر منا ومن أجسادنا، وأن التواصل مع مثل هذه القوة هو الذي سيمكننا من تقويم النفس البشرية وعلاج الأمراض وجلب السعادة.”
بهذه الأسس قامت الشامانية، ومع التشابك الكبير بين قيمها وبعض المعتقدات الدينية الأخرى، المؤمنة بقوة الروح، أصبح لمصطلح “الشامانية” انتشارٌ كبير. ومع ذلك، ترتبط الشامانية على وجه الخصوص بالمغول، حيث لوحظ ممارستها لعدة قرون.
توصف الشامانية بأنها ظاهرة دينية وأيديولوجية، وتُعرف أيضاً تحت مسميات أخرى مثل “سانگوما” عند بعض سكان جنوب إفريقيا، الذين يعتمدون حتى يومنا هذا على المداوي التقليدي لمعالجة المرض.
يُعرف عالم الانثروبولوجيا والباحث في الأساطير ميشال بيران الشامانية في كتابه “الشامانية فلسفة للحياة” على أنها “فلسفة تقدم تصوراً خاصاً للإنسان وللعالم يقوم على أساس وجود صلة بين البشر والآلهة.” تلك الصلة التي تتمحور حولها الطقوس الشامانية.
وتتمحور عقيدة الشامان حول التوازن بين قوى الإنسان الذاتية الداخلية والقوى الخارجية الروحية المحيطة به، حيث يرى بأن ضعف النفس البشرية والناتج عن عدم الاهتمام الكافي بتربيتها وتنميتها، يساعد الأرواح والشياطين على الدخول إلى شخصية الفرد والتحكم بمشاعره وأحاسيسه، تلك الحالة التي يمكن أن تصل إلى مرحلة لُبس تلك الشياطين والأرواح بجسد الإنسان فينطق بلسانهم ويعبر عنهم وهو ما يتطلب تدخل الشامان لعلاج تلك الشرور وطرد الشياطين والأرواح الشريرة من هذا الجسد، ذلك العلاج الذي يعتمد على تنشيط القوى الذاتية لتحقيق التوازن مع القوى الكونية لرفع اللعنة.
وهو ما يتشابه كثيراً بعض الطقوس الدينية عند بعض المذاهب. في هذه الحالات، يستدعي ذلك علاجاً روحانياً بقراءة أذكار وآيات قرآنية وأدعية تصرف تلك الأرواح، وهو ما رصده كتاب “الشامانية والإسلام،” الذي يعكس نظرة واسعة عن التوفيق الديني واستيعاب الشامانية وطقوسها في الإسلام الشعبي، وما يتضمن ذلك من طقوس الشفاء والاعتقاد بالتواصل مع الأرواح.
وتبدأ قصة الشامانية وفق معتقداتهم أن الآلهة قد خلقت الشامان الأول وحددت له قدراته، وللشامان قوى وقدرات متعددة ناتجة من تجاربه التلقينية ومعارفه للنظام الروحي. يُعتقد أن الشامان متآلف مع أرواح الأحياء والأموات، ومع الآلهة والشياطين، ومع ما لا يحصى من الوجوه الغيبية التي لا يراها البشر. وبفضل هذه التجارب يتعلم الشامان جميع وسائل منع الشرور والأمراض والدفاع عن أفراد جماعته أو قبيلته، وهو لذلك يتحمل موتاً طقوسياً، ينزل إلى الجحيم، وأحياناً يصعد إلى السماء.
وتُشبه طقوس الشامانية في معالجة الأمراض طقوس السحر والشعوذة وما تصاحبه من مظاهر ومشاهد مثل الرقص والموسيقى والتمائم والأحجبة وهو ما يؤثر نفسياً على الأشخاص المتلقون للعلاج. تلك الطقوس التي يراها البعض علاجاً نفسياً تقليدياً اعترفت به منظمة الصحة العالمية عام 2015 كوسيلة لعلاج الأمراض النفسية بمستوى علاج الطب التقليدي.
وهي أيضاً تُشبه طقوس التعبد الصوفية، لا سيما أتباع الطريقة المولوية الصوفية، الذين ينشدون من رقصتهم كبح الشهوات والرغبات الشخصية والتفكر في الإله والتقرب منه عن طريق الموسيقى والدوران حول النفس الذي يتشبهون فيه بدوران الكواكب حول الشمس، وتُسمى ايضاً برقصة الدراويش.
وينصب اهتمام الشامان على التواصل الدائم بينه وبين الأرواح، ذلك التواصل الذي تُعقد طقوسه في جلسات العلاج وفي الجنائز وتشييع الموتى، والتي تبدأ بدعوة أرواح أفراد العائلة بالأغاني، حيث من الضروري تواجد الأرواح السابقة لحظة ذهاب روحٍ جديدة إلى العالم الآخر وانضمامها إليهم. ثم تبدأ طقوس تحرير الروح المغادرة من جميع ما لديها من مرارة وغضب واستياء وشرور، لتقوم بعدها نساء الشامان بإعادة الانسجام إلى المجتمع، ذلك الانسجام الذي عكره الموت.
ورغم الكثير من الاعتراضات إسلامياً على قضية تلبس الجن والاتصال بالأرواح، إلا أن التراث الديني يشهد الكثير من مواقف تُشير إليها.
وقد انتشرت الشامانية في دول كثيرة من العالم حتى بات معتنقوها يُقدرون بمئات الآلاف في أوروبا وآسيا، خاصة في الصين وكوريا الجنوبية، وكذلك في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. بينما اتجه الكثيرون حول العالم إلى مُعتنقي الشامانية للعلاج من الأمراض النفسية وبعض الأمراض العقلية والجسدية كنوع من أنواع الطب القديم أملاً في أن تجد الأرواح علاجاً لما عجزت عنه قدرة البشر.
على طريق النور نسير،،،،
وعلى المحبة نلتقي،،،،.
Discussion about this post