أنت لم تكن تعرف.. كيف يتسلقُ الحزنُ رُوحي
سلمةً…
سلمةْ !
لم تكنْ تعرفُ:
متى يبدأُ الألمُ النقرَ على عظامي !
لم تكنْ تعرفُ :
كيف يقفُ المرءُ أمام مرايا الذهولِ باردًا
كقنبلةٍ تصطادُ فراشاتٍ !
بيننا ما بين هذه القنبلةِ وتلك الفراشةِ.
تمشي
تدكُ بأقدامِكَ الأرضَ دكَ دبابةٍ لذبابة،
وأطيرُ كالجنادبِ؛
أخشى أن تلامسَ الأرضَ أقدامي،
خفيفًا؛
لأن الأرضَ أسفلَ جسدي فقاقيعُ.
يوشكُ البحرُ أن يسيرَ بين شفتيَّ ،
ويُقلِّبُ ملحَه في دمي!
أنتَ لم تكنْ تعرفُ شكلَ (سرطانِ البحرِ).
وأنا أيضًا .
مَنْ يصعدُ تلكَ النخلةَ يا قلبُ ؟
مَنْ يسقطُ في هذي البئرِ؟
مَنْ يتثاءبُ الآنَ فيغلفُ الحكايةَ بالنومِ ؟
من يحكي عني؟
فأنا قلقٌ، والعالمُ محبوسٌ بين ضلوعي .
أنتَ لم تكنْ تعرفُ مِنْ جسدِكَ
غيرَ ملامحَ حددها ظلُكَ .
وأنا أيضًا لم أكنْ أعرفُ
الغددَ اللمفاويةَ، ولا عظمةَ القص.
أنتَ باردٌ.
وأنا أيضًا لم أكره الثلجَ في صيفِ قنا المتقدِ.
مَنْ يملكُ الوهجَ المناسبَ؛
كي يقفزَ في بطنِ الشمسِ بعينين مفتوحتين؟
أنتَ لم تكنْ تعرفُ الشمسَ،
غيرَ أنَّها لم تكنْ بهيةً، ولا جميلةً، ولا خيِّرة.
أنا أيضًا لم أكنْ أعرفُ شيئًا
لم أكنْ أعرفُ:
لماذا أصعدُ سلمَ المترو- ببطءٍ شديدٍ-
هكذا: سلمةً…
سلمة.
وبرغمِ ذلكَ ” أتنفسُ – بالكادِ- ثانيةً…ثانية ” !!
أنت متكئٌ الآنَ تداعبُ شاربَكَ،
وتنظرُ لأطفالِكَ النائمين؛
تتأملُ مبتسمًا:
ما الذي يمكنُكَ أن تدبره لهم من مكائدَ ضدَ الزمن.
“ضدَّ من؟!
ومتى القلبُ في الخفقانِ اطمأن؟”
أستديرُ بابتسامتي بعيدًا عن وجهِ (صفيةَ).
الليلُ؟!
أنتَ لم تكنْ تعرفُه
حين ينفرطُ بين يديَّ .
ولن يجدي الثلجُ في أن يخفضَ الحرارةَ،
ولا في أن” يوقفَ في رأسي الطواحين “.
أنتَ لمْ تكنْ تعرفُ :
لماذا تنتشرُ تلكَ البقعُ الدمويةُ أسفلَ جلدي !
وأنا أيضًا لم أكنُ أعرفُ:
لماذا أنتَ مُصرٌ على سفرنا للمستشفى الجامعي بأسيوطَ !
أنتَ باردٌ،
تنظرُ في عينيَّ؛ ولا ترى !
انتبه سيسقطُ البحرُ مِنْ فمي.
شوارعُ القاهرةِ طويلةٌ وضيقةٌ؛ بما يناسبُ سيري
وحيدًا حتى كورنيش النيل.
تنظرُ في البقعِ الدمويةِ بتركيزٍ
وكأنك تعرفُها!
إنها حساسيةٌ ويمكنُ علاجَها بسهولة.
لماذا تنظرُ لها باهتمامٍ هكذا برغمِ أنك لا تعرفها؟
أنتَ لم ترْها من قبلُ،
ولمْ تسألْني: لماذا أنا خجولٌ من انتشارِها في وجهي!
أنظرُ:
“هل أنا كنتُ طفلًا ؟
أمْ أنَّ الذي كان طفلًا سواي؟ ”
تنظرُ في وجهِ أبنائي،
تحاول أن تتهجاني
ملمحًا.. ملمحًا.
مالكَ ؟!
انتبه.. سيسقطُ البحرُ من فمي.
أنتَ لمْ تكنْ تعرفُ معنى الإيمانِ.
لم يتجلَّ اللهُ على قلبِك؛
فيفكَ مغاليقَ رُوحِكَ المترسبِ.
أنتَ لمْ تكنْ تعرفُ:
كيفَ استطاعَ الشيخُ مصطفى إسماعيلُ
أن يسكبَ في قلبِكَ :
” مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء… ”
أنتَ لمْ تكنْ تعرفُ
كيف يمكنُكَ أنْ تسألَ زوجتي :
لمَ تُبق أدواتَ حلاقتي إلى الآنَ في مكانِها !
وأنا أيضًا لم أكنْ أعرفُ
جمال حنا لله ودقته في التعاملِ مع أدواتِ حلاقتِه؛
خوفًا على أطفاله من فيرس (C )..
إحساسُكَ بالفجيعةِ مورقٌ هذا المساء !
انتبه
سيسقط البحرُ من فمي .
أنتَ لم تكنْ تعرفُ الطريقَ إلى معاملِ (كايرو لاب )،
وأنا أيضًا لمْ أكنْ أعرفُ
لماذا كلُ هذه السلالمِ في محطاتِ المترو!
أنتَ لمْ تنظرْ
في عينيِّ (صفيةَ) بالشكلِ المناسبِ للالم،
ولم تقرأ على جبينِها
نكهةَ الأمنياتِ المتراصةِ في انتظامٍ مرهق.
بقلم الشاعر
حسن أبوبكر
Discussion about this post