شَرَفٌ …

الأديب الدكتور : رفعت شميس…

يكتب :مادة  ”  شَرَفٌ ” .

——

من كتابي : ألفاظ ومعان .

——

تأخذ مادة ش ر ف في القواميس العربية معنى واحدا يدور حول العلو والسمو والمكانة المرتفعة .ويتفرع ذاك المعنى إلى معان أخرى مرتبطة بالمعنى العام ، فكيف ارتبط هذا اللفظ بالأخلاق والصدق والأمانة ؟.

بمراجعتي لقواميس اللغة العربية لم أجد أي رابط بين لفظة شرف ولفظة الأمانة مثلا أو الصدق ، ولم ترد لفظة أخلاق في ما ورد من شروحات حول مادة شرف . الا اننا في الدراسات الحديثة نحد ان لفظتي شرف واخلاق مترافقتان لدرجة التوحد .فلنتوقف قليلا عند ما ورد في معنى مادة شرف ثم لنبين العلاقة بين هذه اللفظة وبين الفاظ أخرى كالأخلاق .

نقول : شرف بفتح الجميع بمعنى علا وارتفع ، أشرف على النفاد بمعنى قارب ، وأشرف على العمل : بمعنى اعتلى شرفة كي يرى التفاصيل ويدير العمل ، والشرفة مكان عال تمكن الرائي من رؤية ما حوله لارتفاعه ، مشارف المدينة ما ظهر منها للمسافر القادم من بعيد إنما يُرى ما كان مرتفعا كالمآذن والكنائس والأبراج والمسلات والنصب والأبنية الطابقية والتلال والركام وغيرها .

ونقول : شرُفَ يَشرُف، شَرَفًا وشرافةً، إذا علت مكانته بين قومه والصفة المشبهة هي شَريف.

واستشرف بمعنى اعتلى اي صعد لمرتفع أو لشرفة كي يرى ما هو ابعد ، واستشرف المستقبل رأى ما لا يراه الرائي من توقع لأحداث وهذه رأى القلبية لا البصرية .

وفلان استشرف فلانا : أي وجده شريفًا ، واستشرف نسبًا أي اختار صهرا ذا مكانة مرموقة من رفعة وحسب ونسب .

تشرَّفَ/تشرَّفَ ل يتشرّف، تشرُّفًا، فهو مُتشرِّف،

وتشرَّفَ الرَّجُلُ: نال الشّرفَ (يتشرّف بدعوة سيادتكم إلى حضور حفلا …. ).

* تشَرَّف للشَّيء: تطلَّع إليه وتشوّف.. فأمعن بالمنظور .

شارفَ على كذا ويشارف، مُشارفةً، فهو مُشارِف، والمفعول مُشارَف. أي قارب على كذا

شارفهُ: فاخره وشاركه في المجد وعلوّ المنزلة وهناك لفظة الشريف المستخدمة في سورية – الجزيرة السورية بمعنى التقارب بين الأشخاص حين يقام ختان الطفل بين يدي من تم اختياره من المعارف .

* شارَف المُسافرُ البلدَ أو على البلد: قاربه، دنا منه ، وشارف الخمسين من العمر اي قارب فهو في الخمسين الا ايام او اشهر قليلة .

في المجتمعات يقال : كلمة شرف – اي كلمة مبدأ صدق لا كذب ولا رياء ولا تسويف فيها ، ويقال جريمة الشرف : وتوصف بتلك التي حدثت دفاعا عن العرض.

ومن هنا ندخل إلى علاقة الشرف بالأخلاق .

إذا اتفقنا أن لفظة شرف تدل على ما ارتفع وعلا ، اي بمعنى المكانة العالية فإننا سنخلص إلى انه من الطبيعي ان تقترن بلفظة الأخلاق ولكن ليس كلها بل بنوع واحد من نوعيها فهناك الأخلاق الحميدة العظيمة وهناك الأخلاق الوضيعة الفاسدة ، والأخلاق بالمجمل تعني تلك التي جبل عليها المرء مما ورث أو اكتسب من بيئته من جيد العادات أو فاسدها .

وقد وردت في القرآن الكريم مرة واحدة بمعنى المكانة العالية السامية بلفظ خلق بضم الخاء . في قوله تعالى (( وإنك لعلى خلق عظيم )). سورة القلم . وهذا خطاب موجه إلى النبي محمد والذي عرفه الناس بالصدق والأمانة .

إلا أننا نجد لفظة خلق ذاتها قد وردت في سورة الشعراء بقوله تعالى :(( إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ )) .وهنا جاءت بمعنى العادة المتبعة .

في المجتمعات الإنسانية ارتبطت كلمة الشرف بالأخلاق ارتباطا وثيقا ولا سيما في المجتمعات الشرقية والمحافظة حتى قالوا إن شرف الفتاة في عذريتها ، وكم من دماء سالت انتقاما للشرف ، وهنا يحضرني قول الشاعر أحمد بن الحسين المتنبي : لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم

بقي أن نشير إلى أن هناك من يربط الشرف والأخلاق بالدين ، إلا أننا نؤكد على أن الشرف والاخلاق الحميدة ونجدة المحتاج وإغاثة الملهوف والمروءة والاستقامة والصدق والمحبة والحنان والعطف الخ … كلها حالات ومشاعر إنسانية موجودة قبل الأديان فهي من الطبيعة البشرية ولا عجب أن بعضاً منها نراه حتى في الكثير من فصائل الحيوان .