مقاماتُ السّرابِ في حضرةِ الغياب
يا ليلُ،
كم أودعتَ في سُرادِقِكَ أنينَ المشتاقين،
وكم نثرتَ على أكتافِ الرّوحِ
غبارَ الغيبِ الموشّى بنجومٍ لا تُمسكُها الأيدي.
أمدُّ بصري،
فلا أرى إلّا مرايا متكسّرة،
تُعيدُ وجهي في صورٍ لا تنتهي،
وجميعُها تسأل:
أأكونُ أنا،
أم ظلًّا ضاعَ في متاهةِ الأبد؟
أمشي،
والأرضُ تُنكرُ خُطاي،
كأنّها لم تعرفني من قبل،
والسّماءُ تعلّقُ قناديلَها
ثم تخفيها في عباءةٍ من غموض.
يا سرابَ الأمل،
أأنتَ ماءُ الحقيقةِ
يختبئُ في سراديبِ الغيبِ؟
أم زينةُ الوهمِ تُداعبُ قلوبًا
لم تُبرئها نارُ الامتحان؟
أُصغي،
فأسمعُ أنينَ الأرواحِ العارية،
تتلو تراتيلَ العدم،
تبحثُ عن مفتاحٍ واحدٍ
لفتحِ أبوابِ الوجود.
أُدركُ أنّنا،
لسنا سوى قناديلَ طافية
على بحرٍ من الأسرار،
كلما أشعلناها
ابتلعتْها الموجاتُ في صمت،
ثم أعادتْها من جديد
أكثرَ وهجًا وأشدَّ غموضًا.
نغرسُ أشواقَنا في صحراءِ السّؤال،
فتُزهرُ أزهارٌ بلا رائحة،
ونقطفُ ثمارًا
لا تُشبعُ الجائعَ إلى اليقين.
في كلِّ نفسٍ،
يلوحُ فجرٌ لم يولد،
وفي كلِّ جفنٍ،
تسكنُ دمعةٌ لم تُذرف بعد،
كأنّ الزّمنَ يختبرُ صبرَ العاشقين
بميزانٍ لا يُقاس.
وهكذا،
نمشي بينَ أروقةِ الغيب،
كالعاشقِ الّذي يُطاردُ طيفًا،
كلّما اقتربَ منه،
انسكبَ الطّيفُ في ليلٍ أعمق،
فنظلُّ نسأل:
هل الطّريقُ إلينا
أم منّا؟
هل النّورُ في آخرِ المدى،
أم في اتّقادِ القلبِ نفسِه؟
— وربّما،
لا جوابَ…
إلّا سؤالٌ آخر
بقلم الشاعر مؤيد نجم حنون طانر
العراق






































