وجهان في مرايا الشعر ٠٠!!
بقلم / السعيد عبدالعاطي مبارك الفايد – كاتب و باحث و تربوب مصري ٠
( ثنائية الشعر بين الوزير العاشق ابن زيدون بحتري المغرب – و الأميرة المدلالة ولادة بنت المستكفي في قرطبة ٠٠٠ )
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
( الأميرة المدلالة : ولادة بنت المستكفي )
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت
سودا وكانت بكم بيضا ليالينا ٠
( الوزير العاشق : ابن زيدون )
٠٠٠٠٠
في البداية عندما ننطلق من المشرق العربي إلى المغرب العربي نتوقف مع بلاد الأندلس التي قضى العرب فيها زهاء ثمانية قرون حتى سقطت غرناطة آخر معاقلهم في الغرب ٠
و نختصر هنا مشهد الفتح المبارك الميمون ، و نعرج على الأدب و الفنون و الثقافة و النهضة ، لنتوقف معا في محراب العشر في مع طبيعة البلاد الخلابة جنة الأرض و الفردوس المفقود ، تلكم البيئة التي جعلت من كل ساكنيها شاعرا بجانب مهنته و وظيفته حتى الخلفاء و الأمراء و الوزراء هكذا ٠٠
و نعود إلى وجه مرايا الشعر في ثنائية شاعر و شاعرة لهما صولات و جولات سطرها التاريخ بمصدقية نطالعها حتى اليوم ٠٠
يوميات بين الأميرة ولادة و الوزير العاشق ابن زيدون في قرطبة ، حيث وقع بينهما حب و غرام و قصص و حكايات ، لكن الحسد و الحقد و الوشاية كان لهم بالمرصاد ! ٠
حتى انفكت تلك الرابطة المقدسة و أودى بالفارس نار الغيرة حتى دخل ابن زيدون السجن في نهاية رحلة المطاف المأساوية فمن الحب ما قتل ٠
عاشت ولادة ٨٦ عاما ، و ابن زيدون ، ٦٨ عاما ٠
و من ثم نقشت أبيات ولادة على قبره و التمثال :
“أغار عليك من عيني ومني.. ومنك ومن زمانك والمكانِ ولو أني خبأتك في عيوني.. إلى يوم القيامة ما كفاني” ٠
و قد عارض الشعراء على مر العصور شعره و لا سيما قصيدته ذائع الصيت و الشهرة ( أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ) وخصوصا أمير الشعراء أحمد شوقي في عصرنا المعاصر الحديث ٠
* مع الأميرة ولادة بنت المستكفي :
الأميرة المدلالة القرطبية الأندلسية و الشاعرة العربية التي تنحدر من بيت الدولة الأموية في الأندلس، ابنة الخليفة المستكفي بالله.
اشتهرت بالفصاحة والشعر، وكان لها مجلس مشهود في قرطبة يؤمه الأعيان والشعراء ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس.
و التي مثلت حالة الحب في قرطبة وهام بها الكثير من الأعيان و أرباب المناصب و الشعراء ٠٠
و تشتهر ببيتين شهيرين من الشعر قيل أنها كانت تكتب كل واحد منهما على جهة من ثوبها:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
أمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
بعد مقتل أبيها الخليفة المستكفي جعلت ولاّدة دارها منتدى لرجال الأدب وانصرفت إلى اللهو.
وفي تلك الفترة اتصلت ولّادة بابن زيدون واشتهرا بقصة حب إلا أن هذا الغرام لم يدم طويلاً قيل لأسباب كثيرة إلا أن أرجحها هو أن ابن زيدون تعلق بجارية سوداء بارعة في الغناء ليثير غيرة ولاّدة فتعُود إليه بعد أن انصرفت عنه وقد عاتبت ولاّدة ابن زيدون قائلة:
لَو كنت تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ
وَتركتَ غصناً مثمراً بجماله
وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ
ولقد علمت بأنّني بدر السما
لَكن دهيت لشقوتي بالمشتري ٠
و قد حاول ابن زيدون إستدرار عطفها ببراعته الشعرية فاهداها نونيته الشهيرة والتي مطلعها :
أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا،
وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا ٠
و ذلك دون أدنى جدوى ٠٠
إلا أن ولاّدة لم تأبه به وأرادت ان تجازيه غيظاً فألقت شباكها على رجل قليل الذكاء وواسع الثراء هو الوزير أبو عامر بن عبدوس ثم قطعت علاقتها بابن زيدون.
وثمة بعض الاقوال التي قيلت أيضًا في سبب هذا الفراق، هو تعرضها للنقد الشعري منه، حيث انتقد أبيات لها فأحست بالانتقاص، وبعدها انفصلت عنه، انتصارًا لإحساسها بمقدرتها الشعرية.
و لكن يبدو لنا أن الوشاية و الغيرة هما الفيصل في هذا الهجر و القطعية و الانفصال حتى انها عزفت عن الزواج و عمرت من العمر قرابة ٨٦ عاما ٠
* مع الوزير العاشق الفارس ابن زيدون :
الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون ، المولود في قرطبة لأسرة من فقهاء قرطبة من بني مخزوم.
تولى ابن زيدون الوزارة لأبي الوليد بن جهور صاحب قرطبة، وكان سفيره إلى أمراء الطوائف في الأندلس، ثم اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية، فحبسه.
حاول ابن زيدون استعطاف ابن جهور برسائله فلم يعطف عليه. وفي عام 441 هـ، تمكن ابن زيدون من الهرب، ولحق ببلاط المعتضد الذي قربه إليه، فكان بمثابة الوزير. وقد أقام ابن زيدون في إشبيلية حتى توفي ودفن بها في أول رجب 463 هـ في عهد المعتمد بن عباد.
و قد كتب قصيدة من عيون شعره في حب ولادة معتذرا و معبرا عن لوعة البعد و الفراق و نار الشوق و الاحتراق ، كما يبرهن فيها عن مدى صدق حبه و نبل مشاعره و قسوة الواشين ، و مؤكدا مازال القلب يخفق بين الذكريات و منها هذه الأبيات :
مشهورة يذكر فيها ولادة ويتشوق إليها:
إنّي ذكرْتُكِ، بالزّهراء، مشتاقا،
والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَ
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ، في أصائِلِهِ،
كأنهُ رَقّ لي، فاعْتَلّ إشْفَاقَا
والرّوضُ، عن مائِه الفضّيّ، مبتسمٌ،
كما شقَقتَ، عنِ اللَّبّاتِ، أطواقَا
يَوْمٌ، كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَا انصرَمتْ،
بتْنَا لها، حينَ نامَ الدّهرُ، سرّاقَا ٠
و مازال العاشقان – ولادة و ابن زيدون – بالسر يتواعدان وبظلام الليل يستتران وفي الصباح بعضهما بالأشعار يغازلان ٠٠
حتى صاب ابن زيدون الجنون و عشق فتاة من القيان فغضبت عليه الأميرة و استبدلته بابن عبدوس نكاية و انتقام من الانتقاص منها و الكل يرجو القرب و الود لها ٠٠
و من ثم تتوالى الأحداث ٠٠
ولما هجرت ولادة ابن زيدون، وواصلت ابن عبدوس ولزمته، قال ابن زيدون يتشفى وينتقم منها:
عيرتمونا
بأن قد صار يخلفنا
فيمن نحب وما في ذاك من عار
أكلٌ شهيٌّ أصبنا من أطايبه
بعضًا وبعضًا صفحنا عنه للفار ٠
و «الفار» هو لقب ابن عبدوس.
ولابن زيدون قصيدة عصماء شهيرة نظمها في ولادة، يتشوّق إليها بعد فراره إلى إشبيلية، ويذكر لها ما يعانيه من فراقها ويأسه من لقائها، ويستديم عهدها، وقال فيها:
أضحى التّنائي بديلًا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تآسينا
حالت لبينكم أيامنا فغدت
سودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا
ومورد اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الأنس دانية
قطوفًا فجنينا منه ما شينا
ليسقِ عهدكم عهد السّرور فما
كنتم لأرواحنا إلّا رياحينا ٠
و قد كُتبَتْ على التّمثال أبيات شعر عربيّة لكلٍّ من ابن زيدون وولادة، وترجمت هذه الأبيات أيضا باللغة الإسبانية.
في الأعلى نقشت أبيات ولادة وهي: “أغار عليك من عيني ومنّي.. ومنك ومن زمانك والمكانِ ولو أنّي خبأتك في عيوني.. إلى يوم القيامة ما كفاني” ٠
هذه كانت صفحات من ذكريات الأندلس المفترى عليه تظهر لنا تباريح شوق العشق في تلك البلاد الغاربة و التّي خلدها ديوان العرب من خلال قصص و أيّام أبطالها دائما ٠






































