الشّعر الشّعبي التونسي …
مقال بقلم الكاتبة … حسيبة صنديد قنوني
****************
الشّعر الشّعبي التونسي يستعمل اللسان العامي أو الدّارج كما هو الحال في العالم العربي كالشّعر النّبطي والأبوذيّات العراقيّة والشّعر البدوي الشّامي والشّعر الصّعيدي، وهو مدرسة كبيرة لها فحولها الكبار نذكر من تونس أحمد ملّاك وأحمد البرغوثي وأحمد بن موسى والعربي النجّار وقد ذكر الباحث والمؤرّخ في هذا المجال الأستاذ محمد المرزوقي الكثير من روائعهم…
يغلب الطّابع الغزليّ على الشّعر الشّعبي التّونسي ويسمّى بالشّعر الأخضر نظرا إلى ما في القلوب من حسّ توقظه العواطف الكامنة فتورق ربيعا من الحبّ أخضرا في قلب الشّاعر ..هذا الشّعر لا يخلو فيه عضو من جسد المرأة تقريبا من الوصف مستعيرين أنواعا من الغلال والطّيور كالرّمّان والتفّاح والغزال والحمام وكنايات أخرى كالمرض والجرح والدّمع والنّار الموقدة، كما تبرز ايحاءات الجسد في الأغاني لهذا كان الارتباط وثيقا بين الشّاعر الشّعبي والغناء وانتشر بوجه خاص في مناطق السّاحل ..كما يشتمل الشّعر الشّعبي على الغزل الإباحي الّذي يخرج عن حدّ التّلميح إلى الإباحيّة الماجنة الّتي اعتبرها الشّاعر الصّادق الرّزقي المحافظ منحطّة في تعبيرها لأنّها في الأغلب من نظم اليهود المحترفين…
أجمعَ الباحثون في الشّعر الشّعبي التَونسي على أنّه ذو طابع شفويّ واعتبر رائد البحث في هذا الشّعر الأستاذ محمد المرزوقي (من دوز بالجنوب التونسي) بأنّ المدوّنة لم تترك أثرا لشعر منظوم باللغة الدّارجة(العامية) قبل منتصف القرن الخامس للهجرة أي قبل الزّحف الهلالي (443هجري) وهذا مايشبه مصير الشّعر الجاهلي الّذي ظلّ قرابة المئتي سنة بلا تدوين فضاع أكثره، وأرجع المرزوقي في بدايات البحث والتّدوين إلى مستشرقين ألمانيين وفرنسيين في أواخر القرن التّاسع عشر وبقيت الرّيادة في البحث للشّاعر المرزوقي فأصدر كتابه”الشّعر الشّعبي” سنة 1967 وقد تعرّض لعوائق من سكان الحاضرة الّذين تحفّظوا على هذا النّوع من الشّعر فلم يحظ الغزل إلّا بصفحات قليلة ويقال أنّ الباي أحمد باي (1855) كان مولعا بالشّعر الشّعبي حيث كان يقيم له مجالس شعريّة..
**للشّعر الشّعبي التّونسي أغراض متعدّدة ومنها..
* غرض النّجع، والنّجع يعني القبيلة وفيه وصف رحيل الحبيبة وقبيلتهاومنه قول العربي النجّار..
“هنا كان نجع الوليفة العنود..حُمْر الخدود..واليوم نقّلْ قطعْ الحدود”
* غرض البرق وهو وصف المطر والسّحاب والبرق في البادية بعد نزول المطر ونهاية القحط..
* غرض الضّحضاح، ويعني الأرض القليلة الماء وفيه وصف الصّحراء والفجاج الّتي تفصل بين العاشق وحبيبته..
* غرض الكوت وهو وصف الفرس إذْ كانت القبائل التّونسيّة تفتخر بالفرسان
* غرض الغزل الأخضر (وهو العذري العفيف) وقد برع فيه كثير من الشّعراء ومنه قصائد الشّاعر محمّد الصّغير السّاسي وقوله في معشوقته عيشة..
“مرْحوم اللي سمّى عيشة ثابتْ ما يخطاشْ
ومَنْ جرْحاتَه كيفي عيشة جُرحَه ما يبْراشْ”
* غرض الفخر وفيه يفتخر الشّاعر بنفسه وقبيلته وأصله وأدبه..
* وكذلك نجد أغراض شكوى الزّمان والهجاء والحكمة والنّضال والتّاريخ والملاحم والتّصوّف، كما تزخر تونس بأناشيد الحضرة ومدح الرّسول والاستغاثة بالأقطاب والصّالحين والصّالحات والقائمة تطول في ذكر الأسماء..
أخيرا أقول أنّ الشّعر الشّعبي التّونسي والمَلْحون شجرة ضاربة في التّاريخ والثّقافة والعروبة والاسلام ،وفي الملاحم والبطولات والكفاح، وفي قصص الحبّ والفراق والرّحيل، وفي التّصوّف والأمداح والأذكار والأناشيد، وفي أغاني الأعراس والنّوادي والأرياف، وفي الفروسيّة والشّجاعة والنّبل..شجرة رغم اغتراب أغصانها لفترة أيْنعتْ وأزْهرتْ حين بدأ الاعتبار يرجع إلى الشّعر الشّعبي التّونسي شيئا فشيئا، وتحرّك الدّعم الثّقافي لإحياء التّراث الغنائي ببعض الجهّات فأصدرت وزارة الثّقافة موسوعة من عشرة أجزاء بعنوان” مدوّنة الشّعر التّونسي” ،وقام الأستاذ لسعد بن عبد الله بجمع التّراث الغنائي بجهة “الكاف” سنة 2000 ، وسجّلت كليّات الآداب بحوثا في هذا الموضوع، وبرز كثير من الشّعراء الشّعبيين المبدعين في مواضيع ذاتيّة واجتماعيّة مختلفة خاصّة في السّاحل والجنوب …ويبقى الشّعر الشّعبي التّونسي مكوّنا أساسيا للهويّة الثّقافيّة التّونسيّة الّتي امتدّت عبر تعاقب الحقبات والحضارات..
** من المصادر التّونسيّة الواردة في هذا الموضوع مايلي..
الشّعر الشّعبي لمحمّد المرزوقي
* الأغاني التّونسيّة * للصّادق الرّزقي
الشّعر الشّعبي التّونسي لمحمد الطّاهر اللطيفي
من مغاني الشّعر الشّعبي التّونسي ومعانيه لأحمد الخصخوصي
* الشّعر الأخضر من العذري إلى الإباحي في الغناء التّونسي* لريم بن رجب
* الغناء في الشّمال الغربي يتمرّد على السّلطة الذّكوريّة بالأنوثة*
ليسرى الشيخاوي .







































Discussion about this post