بَيْنَ القَوْلِ وَالعَمَلِ
بِقَلَمِ: مَاهِر اللَّطِيف
لاَحَظْتُ مَا يَحْدُثُ فِي العَالَمِ مِنْ حُرُوبٍ دَمَوِيَّةٍ، اِقْتِصَادِيَّةٍ، سِيَاسِيَّةٍ، اِجْتِمَاعِيَّةٍ، ثَقَافِيَّةٍ وَغَيْرِهَا، فَحَزَّ فِي نَفْسِي مَا تُعَانِيهِ الْبَشَرِيَّةُ عَلَى جَمِيعِ الأَصْعِدَةِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْهَا فِقْدَانُ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ وَتَصَاعُدُ عَدَدِ الْيَتَامَى وَالثَّكَالَى، أَوْ تَكَاثُرُ الْجُرْحَى وَالْمُعَاقِينَ وَغَيْرُهُمْ.
كَذَلِكَ، أَقْلَقَنِي صَمْتُ الْأَغْلَبِيَّةِ وَحِيَادُهُمْ الْمُبَالَغُ فِيهِ أَحْيَانًا، دُونَ أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنْ أُولَـئِكَ الَّذِينَ يُنَاصِرُونَ الْبَاطِلَ وَيَحَفِّزُونَ الْمُبْطِلِينَ حَتَّى يَنَالُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ – وَهُمُ الْأَقَلِّيَّةُ عَادَةً، الْمُسْتَضْعَفُونَ عَلَى الْأَرْضِ -، وَهَذَا مَا جَعَلَنِي أَسْتَحْضِرُ مَقُولَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ حِينَ عَاتَبَ أَهْلَ الْحِيَادِ فَقَالَ لَهُمْ: “لَمْ تَنْصُرُوا الْبَاطِلَ، وَلَكِنَّكُمْ خَذَلْتُمْ الْحَقَّ”.
وَهَذَا مَا جَعَلَنِي أَسْتَحْضِرُ بِاسْتِمْرَارٍ حِكَايَةً قَصَّهَا عَلَيَّ أَحَدٌ مَا ذَاتَ مَرَّةٍ مُنْذُ مَا يَزِيدُ عَنْ ثَلاثِينَ سَنَةً إِبَّانَ الْحَرْبِ الْأَمَرِيكِيَّةِ – وَحَلَفَائِهَا خَاصَّةً مِنَ الْعَرَبِ – ضِدَّ الْعِرَاقِ وَرَئِيسِهَا صَدَامُ حُسَيْنَ بَعْدَ اجْتِيَاحِهَا لِلْكُوَيْتِ، الَّتِي انْتَهَتْ بِإِعْدَامِه شَنْقًا عَلَنِيًّا – نَقَلَتْ تَلَافِزُ الْعَالَمِ هَذَا الْحَدَثَ مُبَاشَرَةً – يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى الْمُبَارَكِ.
فَأَخْبَرَنِي مُحَدِّثِي أَنَّ قَطِيعًا كَبِيرًا مِنَ الْغَنْمِ كَانَ يَعِيشُ فِي غَابَةٍ فِي مَكَانٍ وَزَمَانٍ مُعَيَّنَيْنِ، بَعِيدًا عَنْ الْبَشَرِ وَمَشَاكِلِهِمْ وَضَرَرِهِمْ الدَّائِمِ بِكُلِّ كَائِنَاتِ هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي يَسُودُهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ “قَانُونُ الْغَابِ”، حَيْثُ كَانَ الْأَسَدُ مَلَكًا وَالْبَقِيَّةُ أَتْبَاعًا لهُ كُلٌّ حَسَبَ قُوَّتِهِ وَحَجْمِهِ وَذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ وَمَا إِلَيْهِ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَجْعَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ فَرِيسَةً عُرْضَةً لِلِالْتِهَامِ مِنْ قِبَلِ الْأَقْوَى.
فَكَانَ هَذَا الْقَطِيعُ يُكَابِدُ الْوِيْلاَتِ وَيُعَانِي مَعَانَاةً كُبْرَى فِي كُلِّ آنٍ، بِمَا أَنَّ عَدَدَ أَفْرَادِهِ كَانَ يَتَنَاقَصُ يَوْمِيًّا بَعْدَ النَّيْلِ مِنْ أَحَدِهِمْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ مِثْلَ الْأَسَدِ وَالْفَهُودِ وَالذِّئَابِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّا جَعَلَ “الْكَبْشَ” زَعِيمُهُمْ يَجْمَعُهُمْ فِي مَكَانٍ مَنْزَوٍ ذَاتَ قَيْلُولَةٍ وَأَغْلَبُ “الْأَقْوِيَاءِ” يَنامُونَ بَعْدَ أَنْ شَبِعُوا مِنْ لَحْمِ الْأَغْنَامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الضَّعِيفَةِ مِثْلَهَا.
فَشَدَّدَ عَلَى خَطَرِ الْوَضْعِ وَحَسَاسِيَّتِهِ، تَكَاثُرِ الْمُفْتَرِسُونَ أَمَامَ تَراجُعِ عَدَدِ الْفَرَائِسِ الَّذِينَ انْقَرَضَ بَعْضُهُمْ انْقِرَاضًا كَامِلًا، مُحَدُودِيَّةِ الْأَرْضِ وَتَنَاقُصِ أَشْجَارِهَا الَّتِي نَالَ مِنْهَا الْجَفافُ وَالْإِنْسَانُ فِي وَقْتٍ مَضَى – حَسَبَ الْكَبْشِ -، وَبِالتَّالِي تَدَنِّي أَمَاكِنِ الْفِرَارِ وَالْمَخَابِئِ الَّتِي بَاتَتْ مَكْشُوفَةً لِلْجَمِيعِ هُنَاكَ، تَفَرُّقِ قَطِيعِ الْأَغْنَامِ وَتَشَرَّدِ أَفْرَادِهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ الْغَابَةِ وَسَعْيِ كُلِّ فَرْدٍ لِلْنَّجَاةِ وَحْدَهُ بَعِيدًا عَنْ الْبَقِيَّةِ – حَتَّى مِنْ أَفْرَادِ عَائلَتِهِ – مِمَّا يَجْعَلُ إِمْكَانِيَّةَ افْتِرَاسِهِمْ بِسُهُولَةٍ قَائِمَةً بِقُوَّةٍ، عَدَمُ التَّنْسِيقِ بَيْنَ الْأَغْنَامِ وَالتَّخْطِيطِ لِلْغَدِ لِضَمَانِ مُسْتَقْبَلٍ آمِنٍ وَمُزْدَهِرٍ قَدْ يَجْعَلُهُمْ سُعَدَاءَ وَلِمَ لاَ “قَادَةً مِنْ قَادَةِ هَذَا الْكُونِ” مَا دَامُوا لُحْمَةً وَاحِدَةً، فَالوِحْدَةُ تَصْنَعُ الْقُوَّةَ وَتَفْرُضُ عَلَى الْغَيْرِ احْتِرَامَ هَذِهِ الْكُتْلَةِ رَغْمَ ضُعْفِهَا الْمُتَعَارَفِ عَلَيْهِ سَابِقًا…
وَوَاصَلَ عَرْضَهُ، شَرْحَهُ، شَحْذَ هِمَمَ الْحَاضِرِينَ وَتَحْفِيزَهُمْ عَلَى الْوِحْدَةِ وَالتَّضَامُنِ وَالتَّآزُرِ، وَالْتَّحَلِّي بِرُوحِ الْمَجْمُوعَةِ وَالذُّودِ عَلَى نَوْعِيَّتِهِمْ دَرْءًا لِانْقِرَاضِهَا وَمَحْوِهَا مِنْ هَذِهِ الْغَابَةِ، حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْأَكْبَاشِ وَهُوَ يَنْفُضُ الْغُبَارَ مِنْ صُوفِهِ وَيَجْلِبُ انتِبَاهَ بَعْضِ النِّعَاجِ عَسَى أَنْ يَغَنِمَ بِبِسْمَةٍ مِنْ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الأَقَلِ:
– نِعْمَ الْقَوْلُ أَيُّهَا الْقَائِدُ، عَلَيْنَا التَّجَمُّعُ وَالتَّجْهِيزُ الْجَيِّدُ لِكُلِّ عَدُوٍّ لِنَضْمَنَ سَلَامَتَنَا وَتَأْمِينَ يَوْمٍ مِنَ الْحَيَاةِ عَلَى الْأَقَلِ (يَنْظُرُ إِلَى النِّعَاجِ وَيَبْتَسِمُ وَهُوَ يُخَاطِبُ الْقَائِدَ)، يَجِبُ أَنْ نَتَّحِدَ وَنَصْنَعَ مِنَ الضُّعْفِ قُوَّةً. فَإِنْ سَمَحْنَا بِالْاِفْتِرَاسِ عَلَى أَحَدِنا الْيَوْمَ وَلَمْ نَتَحَرَّكْ، فَسَيَأْتِي الدَّوْرُ عَلَيْنَا غَدً ا وَاحِدًا وَاحِدًا بِمَّا أَنَّنَا لَا نُحَارِبُ مِنْ أَجْلِ نَوْعِنَا وَلَا نُجَاهِدُ مِنْ أَجْلِ بَقَائِنَا.
– (الْقَائِدُ، مُسْتَحْسِنًا هَذَا الْقَوْلَ وَيُلاحِظُ تَصَرُّفَاتِ مُخَاطِبِهِ وَيَبْتَسِمُ ابتِسَامَةً رَقِيقَةً، بِمَا أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ يُذَكِّرُهُ بِصِغَرِهِ وَ”شَقَاوَتِهِ” كَمَا نَقُولُ) فِعْلًا بُنَيَّ، الْحَذَرُ ثُمَّ الْحَذَرُ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ.
– (مُقَاطِعًا بِصَوْتٍ مُرَتَفِعٍ) حَتَّى الْخَنَازِيرُ وَهُمْ أَشَدُّ أَعْدَائِنَا وَأَلْدُّهُمْ؟
– (مُبْتَسِمًا فِي مَرَحَلَةٍ أُولَى، فَمُقَهْقِهًا فِي مَرَحَلَةٍ ثَانِيَةٍ) خَاصَّةً هَؤُلاء الَّذِينَ ذَكَرْتَ، فَلَا تَسْتَغربْ مِنْهُمْ
Discussion about this post