*** رحلة الروح إلى الأبد ****
ماذا لو انتظرتني قليلا، وتمهّلت بعض الشّيء حتّى أجيء إليك ونلتقي، كنت أعددت لك سيمفونية وجد، ونضّدت لك قصيدة اعتذار ورتّبت معلّقة في الحبّ الأبديّ الّذي لا يعرف الحدود، وحبّ الوجود والخلود، حبّ التّسامح والعطاء، حبّ الصّفاء والنّقاء، حبّا يتجلّى في السّماء، لقد استعددْت لملاقاتك، فهيّأت لك ذهني وفكري، قلبي ووجدي، كي يسهل التّصالح بيننا، وتتفهّم حسن نواياي تجاهك..
لقد بلغني أنّك غضبت ومازلت غاضبا وجدّا من اختياري، وبسببه عشتَ متكدّرا إلى حدّ الانهيار،… لم ألمك، ولم أسأل لماذا كانت ردّة فعلك قاسية في حقّ نفسك الطيّبة المرحة.. وفي حقّي، أنثى تبحث عن الاهتمام، والحبّ والدّلال،.. كنتَ يا صديق الرّوح قاسيا جدًّا في قرارك، وانسحابك، واختفائك خلف المدارات، بحثت عنك في كلّ النّواحي، سألت عنك حوريّات البحر الودّيات، وأمواج المحيطات الهادرات، كما صادفت ابن بطوطة في رحلاتي، سألته هل رآك، فما افادني بإجابة وأقسم أنّه ما لاقاك وما سجّلتْ أقاليم حدود اسمك ولا عنوانك، كذلك السّندباد استغرب أنّك غادرت البلاد، لأنّ تاريخ هجرتك لم يذكر في كتاب… ولا سجّلات الأموات قالت أنّك انتهيت على إثر رحلة جنون وعذاب…
أين ذهبت؟، أين اختفيت؟، هل ركبت ظهر البراق؟ ، هل رفع طيفك ملاك؟ ، هل لبسك جنّ أم تنكّرت في جلباب وغادرت الدّيار في يوم كثيف السّواد؟ …
يااااه… كم غزلتُ حكايا، وكم نسجت أحلاما، وكم جهّزت هدايا، وكم ألّفت قصصا تفوق المتعة والتّشويق فيها الخيال.. لقد بحثت عنك سنوات عديدة، سألت عن اخبارك الشّهب والأقمار، وسألت ليالي الشّتاء الباردة والأمطار، وسهرت كثيرا السّاعات الطّوال، أحادث طيفك وأسمع منه الأخبار…
لكنّي لما أوشكت أن أصل إليك، وبعد أن خططتّ ليكون اللقاء مفاجأة لك، لتراني قبالة عينيك، عارية دون أكاذيب، دون دجل، دون بخور دون خدعة في الهدايا… لم تمهلني لحظة لأجيء إليك، لم تنتظرني يوما أو حتّى دقيقة لتنصت لاعترافاتي، وتسمع سبب انطوائي وتركك خلف ظهري دون تبرير، دون دفاع عن ذاتي وأنت توجّه لي الاتهامات..
غير أن طيفك ما فارقني أبدا، وبدوري ما نسيت وعدي لك… كان تأنيب الضّمير لا يفارقني، وكنت أطمع أن أبرّئ أمامك ذمّتي.. فتعرف علّتي وصمتي وعنائي…
أنا ما كنت ناكرة لوعدي ولا نقضت عهدي، كما ذهب إليه ظنّك، بل عملت بما أملاه عليّ عقلي وقتذاك، وكنت في كامل الوعي والرّشد، حين سلكت طريقا غير طريقك، واخترت رحلة غير الّتي كنت أبتغيها أو كنت أرتضيها لي،… كان ذلك بسبب وقوفك بعيدا عنّي، كنت تقرأ أفكاري، وتتبع خطواتي، وتصلك اخباري، لكنّك تركتني للضياع،اكتفيت بالسّماع، فكان الوداع من غير وداع… وكان أن مشينا في طريقين متعاكسين… فما التقينا أبدا وما تحاججنا… اكتفينا بالعتاب يصلنا عبر الأثير وعبر الضّباب…
آسفة أيها الرّاحل ، آسفة أنّك استعجلت الرّحيل، مرّة أخرى وفضّلت أن تكون خلف السّتار، خلف المدار،.. وتركت القدر يلعب بنا قبل أن أصارحك بالحقيقة وهل قبلت منّي الأعذار … جعلت البعد والانسحاب منذ أربعين عاما هو قرارك.. ومرّة أخرى، ومنذ أربعين يوما، حين أوشكت أن أصل إليك وأمتثل بين يديك وأترك لقلبينا الحكم والخيار إما الصّلح والوئام أو البعد والخصام فضّلت روحك السّفر وأن توقف عقارب الزّمن وتنهي النّبض إلى الأبد.. إلى الأبد….
سونيا عبد اللطيف
تونس 27/ 02/ 2025
رحلة الروح إلى الأبد
Discussion about this post