غداً
بقلم/ إبراهيم الجهلاني
غدًا حين تَمُرّ عرَبَة الله من فوق قريتنا الصّغيرة،
لن أُوَبِّخ أطفال الحي
الّذين يركضون خلفها حُفاةً
يستجدون المثلجات،
ولن أنتظرها عند أول نقطة تفتيش
كَجُنديٍّ يَقِظٍ.
بل سأتركها على سجيّة الأمّهات،
على وحشيّة السَّغَب،
ومجاعات الرّغيف في مخيمات النّازحين.
غدًا حين تَمُرّ عَرَبَة الله،
تكون أمّي قد أعدّت وجبة الإفطار،
وجارتنا المُسِنَّة إسفل الجبل تجمع الحطب.
حينئذٍ، سألوّح له بِالخبزِ الّذي صنعته أمّي الرّيفيّة،
وأسأله: هل يمكن أن تصنع لِغَـ ـزّة أمًّا على عَجَل؟
فَيُدخل يده في جيبه؛
ويخرجها مليئة بالقمح
لِيهبط والعصافير تنقر من كَفِّه.
سَأصافحهُ مبتسمًا رغم أنف يدي المعطوبة،
وأشيرُ إليه نحو ياسمينةٍ ذابلةٍ في زهريات الرّبيع،
فَيَبتسم، وهو يعلّمني كيف أتعامل مع الورد،
ويلقّنني وصايا البساتين.
على بعد تحيّة وتسع تلويحات ومصافحة على استحياء،
سأسرق تهذيب الأنبياء
من جعبة جبريل،
من رفوف غار حراء…
وأغش لحظة مُوسَوِيّة للحديث مع الله..
سأبكي بين يديه عرقًا من جبين لبنان
وأنزف شهداءً من جراح غَـ ـزّة المنسية في مذكرات السّماء.
على غفلةٍ من الحرب،
سأخبره عن طوابير الخبز الطّويلة هناك،
عن طفولة المكان كيف شاخت في عهد القذائف،
عن الموت الّذي يتنامى في أودية الأطفال كَنَبات الحِنْطَة،
سأخبره عن الألم بصبر نبيٍّ يقوم برعاية الغنم.
عَلّهُ يلقي على هذه الأرض تميمة إلهيّة؛
فتبرأ من آثام الحروب.
أو يمسح على رؤوس اليتامى؛ فينبت إثرها الآباء.
هذا ما أخبرتني به النبوءة القديمة.
إبراهيم الجهلاني
Discussion about this post