قد عرّفوا الحبّ بمئات التّعاريف، ويمكن تعريفه بأكثر، عندما يُصّدَق الحب يغرق في الروح غرقاً ويهيم في جمالها وينجذب إليها بحيث يرى الجمال الحسي بصورة أخرى. فالحب الحقيقي هو ارتباط واعٍ من بصيرة وضّاحة زلال. يشرق من الرّوح وحيثما ترتفع الرّوح سموّا يُحلّق معها. ويظهر في كلّ روح بصورة خاصّة ويصطبغ بلونها؛ لأن الأرواح على خلاف الغرائز، لكل منها لون وارتفاع وبعد وطعم وعطر خاص بها، ويمكن القول أنّ هناك حبّاً معيّناً خاصاً بكل روح. فالحب يعيش بعيداً عن العمر والزمان والمزاج، ولا تمتد إلى عشه العالي يدُ الأيام والدهور…فهو إن كان صادقاً فإنه يتجذر في الضوء ويخضرّ في النور وينبت، ففي الحقيقة هناك روحان يقرآن بعضهما هما روحان وليسا شخصين فالشخصان يمكن أن يشعرا بالألفة والمحبة برغم وجود بعض الخجل بينهما. هذه الحالة وقتية دوماً وتزول بوجود الأحاسيس الصادقه ويحل محلها الإحساس بقرابة الروح ورائحتها ودفئها، متبلوراً كل ذلك في الحديث والأفعال وابتداء من هذا المنزل المحبان قد تُخيّم عليهما سماء الحب الصافي الخالي من السحب وتتجلّى أمامهما آفاق “الإيمان” الواضحة النقية المألوفة، وينقل إليهما نسيم لطيف، لحظة بلحظة، رسائل جديدة من السموات الأخرى والأرض، بعبق الزهور المترعة بالأسرار والمفعمة بالحياة،ويلامس وجهيهما بحب وتدلل حلو وحنون. فيكون الحب في أوج معراجه فيتعدى حدود العقل ويأخذ بالفهم والتفكير من على الأرض إلى قمة الإشراق الشاهقة. أما الكذب في الحب هو الغرق في البحر وصدقية الحب هو السباحة فيه. فالكذب يسلب البصر والحب يمكّنه. والخداع في الحب خشن شديد وفي الوقت نفسه غير مستقر ولا يمكن الاعتماد عليه. أما الحب الصادق فهو لطيف ليّن وفي الوقت نفسه ثابت مفعم بالاطمئنان، والرياق في الحب ملوّث بالشكّ دومًا والحب كله يقين ولا يدخله الشك. وكلما نكثر من شرب الكذب والخداع نرتوي أكثر، أما الحب فكلما نكثر من شربه نعطش أكثر، وكلما استمر الكذب أكثر يبلى أكثر، ولكن كلما استمر الحب يتجدد أكثر فأكثر فالحقيقة في الحب انجذاب يقرّب بين المحبين. وعدم الصدق هو مظهر من مظاهر أنانية روح الإنسان المتاجرة أو الحيوانية. ولأنه يعلم سوء نفسه لذا ينفر من الآخر ويحقد عليه إذ يرى فيه هذا السوء. فالحب مظهر من مظاهر الروح الإلهية والفطرة الربانية في روح الإنسان، ولأن المحب بصير بهذه القداسة الملكوتية، لذا يحب الآخر الّذي يملك هذه الصفات فيجده قريبا منه وقريناً له فيراه كنفسه نعم الحب إيمان، وإيمان مطلق لروح مطلقة، خلود بلا حدود… إنه ليس من هذا العالم. عشق يخلقه الإنسان بعيداً عن أنظار الطبيعة ويهتم به فهو رسول الروح. ووليد الخوف من الغربة ووعي الإنسان المهول في سوق الغربة القبيح العابث..نعم هو لذة البحث، هو لذة الإيواء.هو مصادفة من يفهم لغتك في بلد غريب.
عباس موسى فواز
Discussion about this post