بقلم احمد محمود حسن
عندما انتهيت من قراءة بعض قصائدي في تلك الأمسية ، وكان يراني مزهواً بنفسي وسط تصفيق الجمهور بعد كل بيتين أو ثلاثة ، اقترب مني مُسَلِّماً ، وخاطبني بلطف في حين كان الجمهور يغادر الصّالة :
أنتم الشّعراء تتصرّفون بجنون العظمة ولستم بعظماء ، أنتم مرضى نفسيّين ، أنتم مرضى مزمنون وجئتم إلى هذه الحياة في فترة نقاهة ، أنتم لاتُشبهون حتّى أنفسكم ،
بعضكم يظنّ أن تماثيله ستملأ السّاحات العامّة في العاصمة والمدن الكبرى ، لكن ، وبعد عام أو عامين من وفاته سيضيع قبره بين مئات القبور ولن يتعرف إليه إلا قلّة من أهله ،
تعتقدون أنّ إصداراتكم الأدبيّة سوف تخلّد ذكركم لمئات أو آلاف السّنين ، فيا لكم من واهمين ، كلّ كتبكم سيشتريها النّسيان ويوزّعها مجّاناً على أربع جهّات الرّياح ، وسيتبرّأ منكم أولادكم وأحفادكم لأنّكم لم تورثوهم شيكات مصرفيّة ، فهم ليسوا في حاجة إلى إرثكم المعنوي الذي تعتبرونه عظيماً ، فهم لايرونه كذلك ولن يقيموا وزناً لذلك الإرث في زمن البزنس ،
أنتم لستم أنصاف آلهة ولستم أنصاف شياطين ، لكنكم تظنّون أنفسكم كذلك
حين يُنفخُ في الصّور ، أجل ، أجل ستُبعثون كالآخرين لكنّكم لن تُحشروا معهم ، هناك لن تجدوا من يتقبّل منكم المدح أوالهجاء ، وستنزوون في أركان غرف النّسيان فلا الله هناك سيكترث بكم ولن تسأل عنكم الملائكة إلى أن تُحضروا سبعين شاهداً أنّكم قد شُفيتُم من أمراضكم النّفسية ،
قلت له مقاطعاً : ولماذا السّبعين من الشّهود ؟ فابتسم بمكر وقال : يبدو أنك لم تقرأ التّاريخ الّذي تتباهى به في قصائدك ،
بعد لحظة شرود وتفكير رفعت نظري إليه فوجدته قد اختفى من أمامي ، ووجدتُني وحيداً ، ووجدت القلم في يدي يرسم دوائر وخطوطا متعرّجة على الورقة الّتي أمامي .
Discussion about this post