شراشف بيضاء
بقلم/ دعاء محمود
الحاصلة على لقب فارسة القصة العربية
وجدتها قرب البحيرة ملقاة على الأرض، وسط كثافة الأشجار، في عمق الغابة مغطاة بشراشف بيضاء، ملطخة بالدماء، لا يظهر من ملامحها شيء، غطى جسدها الطين، الأعشاب، والدماء، شبه عارية، كانت تتنفس بصعوبة بالغة، يبدو أنها مرت بحادث أليم.
حملتها لمنزلي المتواضع قرب الغابة، فأنا صياد ماهر، أعيش في عالمي الخاص، لا أحب ضوضاء المدينة، وزحمتها.
أمتلك هذا المنزل، وسيارة، ولا أريد من الدنيا غير عيش هادئ مريح.
نظفت وجهها، وجسدها فأنارت الغرفة من فرط الجمال،حاولت تضميد جروحها، ولكنها استفاقت من شدة الألم؛ هاجت، وصرخت بشدة؛ أرادت أن تهرب، ولكن شراشفها أوقعتها أرضاً، حاولت تهدئتها مراراً…. حتى اطمأنت.
حاولت مساعدتها قدر المستطاع، ولكنها كانت ترفض اقترابي منها.
هي مذعورة كقطة تلاحقها الكلاب.
ترتعد فرائصها برداً، لا تريد القيام من مكانها.
بكل هدوء، وحذر تعاملت معها، لم أحاول معرفة قصتها، وإنما حاولت بكل روية أن أعالج جروح جسدها شيئاً فشيئاً بدأت تهدأ، وسمحت لي بالاقتراب لمداواتها.
عاشت قرابة الأسبوع في منزلي راقدة، وأنا اعتني بها.
بدأت تتماثل للشفاء، وكلما سألتها عن اسمها، أو محاولة معرفة ما حدث تنهار بالبكاء فلا أجد بداً من تهدئتها.
أدركت حينها أنها لا تريد الحديث عما حدث… تركتها وما أرادت.
مر شهران على وجودها معي، لا أعلم اسمها، أو ما حكايتها.
أطلقت عليها (مريم)، اعتادت الاسم، وبدأت تجيب إذا ناديتها.
اعتادت الحياة في بيتي، تتحرك بأريحية فيه، وقد أحضرت لها ملابس زوجتي القديمة التي توفيت منذ فترة، اعتقد انها ألفت حياتي، وقد تعودت أنفاسها معي، حتى أني بت أخاف يوم رحيلها.
ذات يوم ذهبت إلى المدينة لشراء بعض الحاجات الخاصة بالمنزل، اقترحت عليها أن تأتي معي، رفضت بشدة.
نزلت المدينة وحدي، وكالعادة تجولت في الأسواق، ولما كانت عادتي بشراء الكتب ذهبت إلى إحدي المكتبات لشراء بعض الروايات فوجدت صحيفة عليها صورة تشبهها ـ كان الخبر ـ ” اختفاء الأديبة ليز جوهانسون، صورت الخبر، وبدأت في البحث عنها في شبكات الإنترنت، وجدت أخباراً كثيرة عنها؛ مؤلفاتها، حياتها، وأن زوجها أعلن عن مكافأة لمن يدلي بأخبار عنها، لا احد يعرف كيف اختفت تلك العلامة الفارقة في الادب الإنجليزي.
ولما كان أحمد ( الصياد ) عربي، مسلم، وقد ولد في الأردن، وعاش مع والديه ببريطانيا حتى توفيا، تزوج، وانتقل إلى هذا البيت المنعزل البعيد لم ير صورها كثيراً فلم يعرفها إذ رأها.
قضى معظم اليوم بالخارج، ثم عاد ليجد رائحة الخبز تملأ المكان، الورود، الشموع، تغطي أركان المنزل، البيت نظيف، ومنظم؛ فرح كثيراً بما فعلت.
تناولا الطعام، وفي تلك الجلسة الهادئة أخبرها بما عرف…….
انهارت بالبكاء، أقسم لها أنه سيكون دوماً في صفها مهما حدث.
حكت له والدموع تنهال منها قصتها، وكيف عذبها زوجها لتتنازل له عن ميراثها، وأنه يوم الحادث اغتصبها بشدة، أرادت الهروب منه فأطلق كلبه ورائها، أصابها عدة إصابات، ولكنها تمكنت من الفرار، وتاهت وسط الغابة، فقدت وعيها من شدة نزف جروحها.
رق لها كثيراً… وعدها بأن يساعدها، رفعت قضية على زوجها بما أحدثه فيها ….
كانت الشراشف البيضاء التي شاء القدر ألا تُغسل ـ واحتفظ بها أحمد ـ شاهدة على انتهاك حقوقها الإنسانية، وعلى وجودنا في عالم مليء بالوحوش البشرية.
أمرت المحكمة بالتفريق بينها وبين زوجها، ثم الحبس له .
طلبت من أحمد البقاء بجوارها، فهي لا تشعر بالأمان إلا في وجوده.
كان شرطه أن تظل معه في منزله هناك بعيداً عن المدينة.
انتقلت لمنزله، تزوجها، وقد كانت بداية حياتها بالكثير من النجاحات التي حققتها بفضل زوجها أحمد، الذي تعلم من الصيد أن يفرق بين الغالي والرخيص، وكيف ستكون الحياة آمنة إن خرج منها معظم البشر.
الكاتبة/ دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
Discussion about this post