أحمد سلامة يكتب عن
نحن لا نملك إلا أن ننحني إجلالًا لأولئك الشعراء والكتّاب والمثقفين ، وحتى عشاق الأدب بمختلف أشكاله ، ممن جعلوا من الكلمة نبراسًا يضيء ظلام العقول ، ومن الحرف جسراً يعبر بنا إلى عوالم الجمال .. هؤلاء هم المبدعون الحقيقيون ، الذين تحكي عنهم أعمالهم ، وتشهد لهم روائعهم في ساحات الأدب والثقافة. فلهم منا كل التقدير والإكبار .
لكن …
في هذا العالم الافتراضي الأزرق ، بتنا نشهد ظاهرة غريبة ؛ كثيرون يخدعون أنفسهم ويظنون أن الألقاب تُمنح جزافًا .. فتجد هذا يُطلق على نفسه كاتبًا ، وذاك يُنصب ذاته شاعرًا ، وثالثًا يُزيّن اسمه بحرف “د.” موهمًا الآخرين أنه يحمل درجة الدكتوراه ، وكأن هذا الحرف يضيف قيمة فارغة إلى اسمه أو يمنحه صفة المبدع .
وكأن الإبداع بات سلعة بلا قيمة .. تتجول في المنتديات وصفحات الفيسبوك ، فتُدهش حين ترى منتدى صغيرًا لا يتجاوز عدد أعضائه بضعة آلاف ، ومع ذلك يزعم بين أعضائه ألف “شاعر” وألف “كاتب”! شهادات تُمنح يمينًا ويسارًا ، وكأن الإبداع لا يحتاج سوى تصفيق افتراضي أو إعجاب عابر .
أيها السادة : ليس كل من سمّى نفسه شاعرًا هو كذلك .. الشعر لا يُصنع بالكلمات العادية ، بل هو مزيج من الموهبة ، والعمق ، والذائقة الفنية . دعونا نتذكر أيام الجاهلية ، حين كان الشعر تاج العرب وأسواقهم منابر الإبداع ، ولم يُعلّق على أستار الكعبة إلا سبع قصائد فقط .. كيف لو رأونا اليوم ، ونحن في كل مجموعة نفاخر بآلاف “الشعراء” ، وعدد المجموعات بالمئات؟ أي رقم مهول هذا الذي يحسبه العالم الأزرق؟
إن الشعر يا كرام ليس مجرد كلام موزون أو قافٍ .. الشعر العمودي له بحوره وأوزانه وموسيقاه التي تأسر الأذن وتداعب الروح .. أما شعر التفعيلة ، فهو سيمفونية من الإيقاع والكلمات ، تجبر القارئ على أن يتمايل مع موسيقى النص حتى يكاد يُكمل عن الشاعر كلمته الأخيرة .. وحتى النثر فإن له جمالياته حين يُعالج قضاياه بأسلوب إبداعي يأسرك ويشعل فكرك .
أما هايكو الشعر ، فإنه مشهدية متقنة ، لقطة فنية تصور لك الحياة وكأنك تشاهد شريطًا سينمائيًا قصيرًا .
الأدب فنون ومدارس ، ولكل فن رجاله ونساؤه ممن أبدعوا وأتقنوا .. علينا أن نميز بين الغث والسمين ، وأن نُكرّم من استحق التكريم ، لأن أعمالهم الحقيقية تشهد لهم وتُخلّد أسماءهم في مكتبات المحبين وعقول عشاق الجمال .
أما هؤلاء الذين يختبئون خلف الألقاب الوهمية ، فنقول لهم : إن الإبداع لا يُمنح ، بل يُولد من أعماق الروح ، ويزهر في عيون المتذوقين .. فلا تُطفئوا وهج الكلمات بتزييفكم ، ولا تجعلوا الألقاب الفارغة تخدعكم ؛ لأن الألقاب بلا عمل حقيقي مجرد سراب لن يروي عطش القلوب الباحثة عن الجمال .
بقلمي /
أحمد سلامه
16/11/2024
Discussion about this post