الفرق بين الأنانية والحق في الحياة
• الأنانية هي لحظة اختناق الذات في مرآة رغباتها. ترى نفسها كبيرة بما يكفي لتبتلع كل شيء، فلا تبصر غير ظلالها الباهتة. كأنها كائن يعانق الأنا بشكل متوحش، يقتنص ما يستطيع، دون أن يبالي بأصوات الضجيج التي يتركها خلفه. الأنانية ليست إلا قيداً من ذهب، يكبّل الروح من أن ترى العالم بوضوح، تُشعل الشهوة في القلب، لكنها تعمي البصيرة وتغلق الأبواب أمام النور المتدفق من الآخرين.
• كم تبدو الأنانية مثل سراب واهٍ، تلتهم الأمان لكنها لا تشبع، تراكم حولها الحاجات، وتنسى أن تدفن خوفها. إنها خوف مُقنَّع، حنين إلى السيطرة دون اعتراف بالضعف الكامن، فهي تحاول أن تملأ الفراغ الذي لا يُملأ، تسرق من كل ما هو حولها، لكنها تفقد القدرة على العطاء.
• لكن ما أتعس الأنانية حين تكتشف أنها قد صارت وحيدة، محاصرة بجدرانها الصماء، تتنفس فراغها، لا تسمع سوى صدى صوتها يعود إليها بلا رد. ما تفعله هو محاولات بائسة لرسم خطوط الوهم، لتعزل نفسها عن أي شيء لا يعجبها، لكن تلك الخطوط تكبر حتى تصبح قفصاً بلا باب.
• الحق في الحياة، على الجانب الآخر، هو أن تخرج الذات من سجنها، أن ترى الحياة وتحتضنها بكل تضاريسها الوعرة والناعمة. إنه الشجاعة الكافية لتحرير الروح، أن تعرف حقها في أن تحلم، أن تحب، أن تحزن، أن تعيش. أن تدرك أن الوجود ليس امتلاكاً بقدر ما هو مشاركة. الحق في الحياة هو أن تكون، لا أن تملك، أن تتنفس بحرية في عالمٍ مملوءٍ بالعطاء.
• ما يمنحه الحق في الحياة هو ذلك الشعور العذب بالانتماء إلى شيء أعمق، شيء يغسل القلب من الأدران الثقيلة ويعطيه مساحة لينبض بلا خوف. إنه الاعتراف بجوهر الإنسان، بحرية القرار وبقدسية الحلم. حياة كاملة تُعاش بتوازن، بين الذات والآخر، بين الحرية والمسؤولية، بين الفرد والجماعة.
• حين يُحترم الحق في الحياة، يزدهر الحب، وينتشر السلام في الأرجاء. لأنه حينها فقط، تصبح الحياة نغماً جماعياً، ترنيمات مختلفة، لكنها متناغمة، تعزف سيمفونية الاحترام والمودة. حين تُدرك كل روح أن حقها في الحياة لا يكتمل إلا بالاعتراف بحقوق الآخرين، يصبح العالم أقل ضجيجاً، وأكثر اتساعاً.
• الفارق بين الأنانية والحق في الحياة يكمن في المبدأ الدفين، ذلك الصوت الخفي في الأعماق الذي يوجه كل خطوة. الأنانية تسير على إيقاع الاستحواذ، بينما الحق في الحياة يتنفس بصمت التقدير. الأول يسعى للسيطرة، والثاني للسلام. أحدهما يعكر النهر بيديه، والآخر يجلس بجانبه ليشرب من صفائه.
• الأنانية قد تُسكِر الروح لوهلة، لكنها تخدعها، تعزلها عن العالم، تمنع عنها اللمسة اللطيفة والنظرة الصادقة. أما الحق في الحياة فهو النور الذي يسمح لها برؤية الجمال في العيون الأخرى، يمنحها الحق في الحب، في الحلم، في التواصل بلا حواجز.
• لذلك، ليست الفروق بين الأنانية والحق في الحياة مسألة تحليل عقلي، بل هي معركة بين ظلمةٍ ونور، بين طريقٍ معتم يسير فيه المرء وحده، وطريق مفتوح تمشي فيه الأيادي متشابكة. الحق في الحياة هو اعترافٌ بنور الآخر، واستيعاب أن الحرية الحقيقية لا تتحقق إلا حين تُحترم حرية كل قلب ينبض على هذه الأرض.
• قد تبدو الأنانية درباً مختصراً، لكنها في الحقيقة تلتف حول نفسها، تعيدك دائماً إلى البداية، بينما الحق في الحياة يمضي قُدماً، يحمل في طياته الوعد بالوصول، ليس إلى ما تملكه، بل إلى ما أنت عليه، إلى حقيقة الذات المتصالحة مع العالم، التي تعطي بقدر ما تأخذ، وترى الحياة بانفتاح من يدرك أنه ليس محور الكون، بل جزء من فسيفساء واسعة لا تكتمل إلا بحبٍ وتسامح.
Discussion about this post