” رحلة بلا أعباء “
ربيعة بوزناد
جمعت همومي في حقيبة أثقلتها الأيام والمواقف، أغلقتها كما يغلق المسافر حقيبته على عجالة، يعلم أنه لن يعود إلى ما ترك خلفه. حملتها على كتفي، وهي تئن من ثقل ما بداخلها، كأنها تمثل عبء العالم بأسره. لكنني كنت أمضي، رغم الخطوات البطيئة، كأنني أخشى أن يتوقف الزمن إن ألقيتها.
وفي لحظة صفاء، حين وقفت أمام مرآة نفسي، أدركت أن تلك الحقيبة لم تكن مجرد أعباء، بل قيدًا يمنعني من التحليق. رمقتها بنظرة أخيرة، ورميتها خلفي، كما يرمي المرء عباءته في يوم صيفي حار، لم تعد تناسبني، ولا أرغب في حملها بعد اليوم. شعرت حينها أن العالم اتسع فجأة، أنني أخف، وأكثر حرية.
وحتى أولئك الذين كنت أعتقد يومًا أن الحياة بدونهم ستكون مستحيلة، أولئك الذين سكنوا القلب لسنوات، نزعتهم من حياتي كما أخلع ثوبًا قديمًا لم يعد يناسبني. لم يكن الأمر سهلًا، فقد كان في الفراق مرارة تتسلل إلى الروح، لكنني أدركت أن بعض العلاقات مثل الرياح العاصفة، لا تأتي إلا لتبعثر كل شيء.
ومع كل خطوةٍ بعيدًا عن تلك الحقيبة وتلك العلاقات، كانت الأرض تحت قدمي أكثر ثباتًا، والسماء فوقي أكثر صفاءً. أدركت حينها أن التحرر لا يعني فقط التخلص من الأثقال، بل في القدرة على العيش بلا خوف من فقدان ما كان يومًا جزءًا منا.
اليوم، أمضي بلا حقيبة، بلا أثقال، بلا قيود. أمضي بخطى خفيفة، كعصفور تحرر من قفصه ليكتشف السماء الواسعة لأول مرة. لعلّ الحريّة تكمن في القبول بأن الحياة دائمًا تمضي، وأننا، في نهاية المطاف، نجد السلام في ترك ما لا يلزمنا.
ربيعة بوزناد
Discussion about this post