نص القصيدة
كما قطّة في سرير…
يُؤرِقُني نومها واستدارتها في الرقاد
تغطّ بعينين ذابِلَتَيْنِ كغصنيْن ما لهما من فروع
————-
كثيرا ألوذ بنمرة هاتفها
وأرنّ طويلا … طويلا
وأعرف أني أحوم حَوْمَ الفراشَة حول الشموع..
————
فمن غيرها يسمع الصمت فيّ ..!؟
لمن أشتكي بؤس هذي الشوارع..!؟
لمن أنا أروي حكاية عاشقة في الربوع؟!
————-
وحيدا أسيرُ بضيق الزقاق
أودّ أحدّثها عن زحام الطريق
وعن متسولة تتوسلني في خضوع..
——-
وهذا الهوى ليته في مآقيك ..
ليت الكرى رجل أكتريه
ليَحَجُبَ تحت الستائر عنك نعيم الهُجُوع…!
————-
وفي غيهب الليل تأتي شفيفا… شفيفا…
كما شِفْتَ شمسَ الصّباح
تُبَشّرُ بالنور قبل الطلوع..
—————
تطير بِعُشِّ الحشاشة…
تلهفُ قلبي… وروحي
وتترُكُنِي للهواجس واعدةً بالرُّجُوع
————
يُرفرف في خاطري طيفها وخيالي
كما طائِرٍ عند ساقية في الهجير
فأسرع للنبع أُخمدُ نار الحرائق طيّ الضلوع..
.————
تصدير
الامتياز الأهم في كتابات حمد حاجيهو :هذه الكثافة التعبيرية التي تبثّ حياة في أيّ من الصياغات اللغوية والمفردات التي منطلقها القاموس العربي ولكن نراها حيّة تسعى في شعر حمد حاجي، إنها تحف نادرة يلتقطها بل يختطفها اختطافا ويبث فيها من روحه(الكاتبة)
ومن وحي العنوان
نامت الفتاة ليستيقظ الفتى العاشق…
———-
مع أجواء القصيدة
—-
ناعمة كقطة وقت النوم وهذا اختيار
شرسة كنَـمِرة في سافانا عند الغضب والقرار
أحب شراستها وهذا ما أَعَـدَّ لها متكأ
بين الضلوع وفي القرار
امرأة هلامية الحضور خارقة الغياب
نبيّـة يوحى إليها من أفعالي في الغياب ما يوحى
تواجهني فلا أراوغ وأعترف كما المذنب من وراء الستار
أُقِــرُّ بكل تجاوزاتي وفي هيبة حضرتها
لا فائدة من الإنكار …
.————-
القصيد من حيث
الأمكنة
له مكانان متوازيان وكل مكان قد يتفرع إلى أمكنة
وخيط الحكاية ان الشاعر أخذنا
معه إلى
المكان المتخيل ، المكان الذي يلجأ
اليه حينما يرفض المكان الواقعي ، كونه حاملا بؤر الغياب ووجع الهجران هذا الرفض يدفع الشاعر الى الغوص داخل الذات بحثا عن سمات النقاء والألق الجمالي ،لإعادة خلق واقعه بصياغته حلميا- لكن حتى الحلم ما سلم من وخزات الوجع واللوعة
ومع ذلك نعيش معه فاعلية المكان في الصورة الشعرية
المكان الأول
مضجع المعشوقة النائمة ، والشاعر من بعيد يراها بعين القلب تغطّ في النوم مرتاحة البال
مطمئنة ينقل لنا الصورة بامانة مركزا
العدسة على عينيها الذابلتين اللتين أثقلهما الكرى
هي التي قال عنها(كما قطة)
لو يعلم أن نوم القطة لوحدها هو تعبير عن الحزن؟
وقد تكون هذه المرأة حزينة…
يقابل مكان انطلاق رسم لوحات القصيدة مكان آخر ابعد هو مضجع العاشق
هذا الذي جفاه النوم وأرقه بعاد الحبيبة هجرها وجفاها
فيعيش تجاذبات بينه وبين نفسه
وهنا يلجأ إلى نمرة هاتفها
ويعتصم بها اذ قد ترد فيرتاح
ويهدأ باله مع انه يعلم أن لا عاصم له من صمتها وإنه يقطع آخر خيط أمل بها وهذا ما يشعل حرائق بين ضلوعه
(كثيرا ألوذ بنمرة هاتفها
وأرنّ طويلا … طويلا
وأعرف أني أحوم حَوْمَ الفراشَة حول الشموع..)
كما يعلم أنها تسمع ضجيج صمته رغم صمت ضجيجها
ونراه يجوب الشوارع -وكأن
الشاعر أحس اننا نختنق معه في هذا المكان الضيق .،فخرج بنا إلى الشارع الواسع ليزداد المكان ضيقا ويزداد فؤاده اختناقا …شوارع بائسة،شوارع بكماء صماء ،سدت آذانها لا تسمع حكايات العشق والعشاق
فكان هذا الشارع وكان قلب الشاعر
والشارع مجال لبداية علاقات سرعان ما تتلاشى وتموت ،وقد يتحول الشارع بأرصفته إلى مجال تيه وضياع وبحث عن الذات المتنكّرة لصاحبها هذا الذي أثقلها هموما وحمّلها ما لاتطيق من وجع العشق…
وحكايا العشاق تلد من خلف الشبابيك وعلى شرفات المنازل
وتنمو وتكبر في الشارع ،وشارع الغرام
طويل ومضنٍ والحب ذو اللون الواحد
(اي الصادق)لا مجال للمناورة فيه ولا مجال لإخماد حرائق وجده
ليت حبها كان قزحي الالوان ليجد غفوة وينال قسطا من الراحة
هكذا هو ،-هو-عاشق بقلب واحد لقلب واحد يحب بصدق الحب وملء الجوارح…
وكم متعب السير في شارع الهوى لعاشق يحمل أوزار العشق المستحيل… والقلب موجوع يسلم العنان لتيار الاحزان يجرفه
عاشق يسير وحيدا تلفظه الأزقة الضيقة ضيقَ قلب خنقه الفقد وراء قضبان قفص الضلوع…
وحيدا يمشي يبحث عـمَّـن يفقه قوله ليتحدث بكل هذيان عن زحمة الطريق عن مشاهد البؤس التي تمر أمامه
عن امراة متسولة تسال صدقة مادية
وهو المتسول الباحث عن وجه امراة احبها عبر المواسم والفصول كل هذا وهو يعلم انها هناك بعيدا نائمة وقد تكون تجوب شوارع الحلم الجميل
فمن غيرها يسمع الصمت فيّ ..!؟
لمن أشتكي بؤس هذي الشوارع..!؟
لمن أنا أروي حكاية عاشقة في الربوع؟!
وحيدا أسيرُ بضيق الزقاق
أودّ أحدّثها عن زحام الطريق
وعن متسولة تتوسلني في خضوع..
——————
في زمن آخر يعود بنا الشاعر إلى مضجع الحبيبة ليراها على حالها
فيتمنى لو كانت تلقى ما يلقاه من شوق وسهاد كما يتمنى لو يرشي الكرى ليجافيها ويجعلها تقاسي ما يقاسيه من وقع حبها على قلبه وروحه…
وقد يمنّ الله عليه بغفوة فيراها طيفا شفيفا يحوم حوله فيكبر أمل وصلها
في وجدانه ..ولكن الواقع أشد وطأة
والغياب مستمر كفصل قحط بلا زخات مطر
وقد تطل من كوة الحياة بوادر امل وبشائر خير (النور)
(وهذا الهوى ليته في مآقيك ..
ليت الكرى رجل أكتريه
ليَحَجُبَ تحت الستائر عنك نعيم الهُجُوع…!
وفي غيهب الليل تأتي شفيفا… شفيفا…
كما شِفْتَ شمسَ الصّباح
تُبَشّرُ بالنور قبل الطلوع..)
——
تزوره في المنام يسعد بحضورها
تزيد لهفته تؤجج حنينه
وترحل مع وعد بالرجوع في زمن آخر وفي غياهب حلم آخر
وينتشل نفسه من الضياع
بحيث يثوب لرشده ويتحلَّى بالصبر الرصين ويتوكأ على بوصلة العقل التي تعيد المشاعر لبيت الطاعة وتعقِّلها
فتمر عاصفة الحنين مخلفة ندوبا وكلوما وشروخا في القلب والروح
(تطير بِعُشِّ الحشاشة…
تلهفُ قلبي… وروحي
وتترُكُنِي للهواجس واعدةً بالرُّجُوع
يُرفرف في خاطري طيفها وخيالي
كما طائِرٍ عند ساقية في الهجير
فأسرع للنبع أُخمدُ نار الحرائق طيّ الضلوع..)
في هذه القصيدة
يتواشج المكان الواقعي مع المكان المتخيل على أن للمكان المتخيّل حضوراً واسعاً بسبب ما اقتضاه مولد هذه القصيدة التّي بُنيت على
مرجعية مكانية تدخل فيها الذات في علاقة بالمكان ومع اختلاف آليات الصورة الشعرية وتعدد مظاهر حضور الذات امتطى الشاعر ابعادا دلالية مغايرة متجددة ومشعة أكثر…
بقلم الأديبة فائزه بنمسعود
Discussion about this post